النواب وزراء؟ يا لها من كارثة
.jpg)
إذا كانت فكرة توزير النواب مطروحة فعلاً للنقاش والتطبيق، فإننا سنكون أمام وصفة متقنة لتدمير ما تبقى من إدارة عامة في البلد. إنها وصفة تخلف بامتياز، ولا تقولوا إنها مطبقة في دول متطورة، إن علينا أن ننتبه الى التفاصيل.
فإلى حد ما لا تزال الوزارات تتمتع بقدر من التمثيل الوطني العام، ومهما اشتط الوزير في مواقفه الفئوية فإن هناك حدوداً لا يستطيع تجاوزها. هذا الوضع سيتلاشى مع توزير النواب، وأرجوكم دققوا فيما يلي:
الغالبية الساحقة من النواب الحاليين، دخلوا الى ميدان العمل النيابي من باب التمثيل المحلي الضيق جداً، وقد أمضوا الشهور الفائتة وهم يعبئون أنفسهم ويثقفونها بعناصر انتماءاتهم الضيقة، لقد بحثوا عن كل الأدوات التي تخدم في هذا السياق، وحشدوا منها الكثير. لم يكن الواحد منهم ينظر الى العمل النيابي إلا من تلك الزاوية التي بلغت من الضيق بحيث لم تكن تتسع لسواه. وفي المحصلة جاءت النتائج لتعزز هذا المسعى.
تعالوا نراجع النتائج التفصيلية لأية دائرة، ستجدون العجائب: ناخبون في قرية يصوتون بطريقة "الصّب" لصالح مرشح، فيما يصوت الناخبون في القرية الملاصقة بطريقة الصّب أيضاً لصالح مرشح آخر، والسبب اختلاف العشيرة في كل منهما. لكن العجائب تستمر أيضاً عند تفحص نتائج المدن بما فيها العاصمة، فحي معين يضم "اهالي منطقة" ما، يصب أصواته لصالح مرشح معين، فيما يصوت الحي المجاور الذي يضم "أهالي منطقة" أخرى لصالح مرشح آخر.
بالنتيجة تشعر جماعة الفائز بأنهم ممثلون في المجلس، فيما يرى الخاسرون أنهم ليسوا ممثلين. وفي كل المناطق يتبادل الناس عبارات مثل "لنا نائب" أو "ليس لنا نائب"، ويتم التعاطي مع النتائج بصيغ مثل: فازت تلك العشيرة وخسرت الأخرى.
إن أداء النائب يقاس عند الناخبين بمقدار ما قدم لهم من خدمات، وكل المؤشرات تقول إن النائب من هؤلاء عندما يصبح وزيراً، فإنه سيكون فوراً وزيراً لجماعته فقط. وإذا كان البلد اعتاد على فكرة تمثيل الجغرافيا في الوزارات، وهي فكرة تحظى بالقبول رغم انها متخلفة إدارياً وتنموياً، فإن توزير النواب سيجعلنا ندخل في تمثيل عشائر الجغرافيا.
إن توزير النواب في هذه الظروف يعني أننا بصدد تعميق الأزمة عن سبق إصرار وترصد.
( العرب اليوم )