مشاورات أم تصويت على الثقة ؟

الجولة الاولى من المشاورات التي انطلقت امس في قصر بسمان بين كتلتين نيابيتين ورئيس الديوان الملكي، لا تتعدى في بُعدها السياسي جلسات عصف ذهني، وتحشيش سياسي، حول المواصفات والمقاييس لرجالات المرحلة المقبلة، لكنها في حقيقتها، جلسات لجس نبض النواب حول الثقة التي سوف يحصل عليها اي رئيس وزراء سيتم تعيينه، من قبل رأس الدولة، وليس من خلال اقتراحات الكتل والنواب.
الحديث هنا لا ينتقص ابدا من التمثيل الشعبي للنواب، لكنه ينتقد الصيغة التي بنيت عليها فكرة المشاورات مع كتل هلامية، لا تتعدى كونها تجمعات نيابية، او صداقات تجمع بين النواب، لانه حتى الآن لم تطرح اية كتلة نيابية برنامجا محددا في اية قضية، وما اشيع في اليومين الماضيين، حول مواقف لبعض الكتل، لا تتعدى كونها شعارات تضاف لمئات الشعارات التي طرحت في الحملات الانتخابية، وهي لا تساوي فلسا في العمل السياسي، كونها غير خاضعة لاي محاسبة شعبية.
المشاورات للوصول الى حكومة برلمانية طريقها غير التي نسلكها الآن، ولا يمكن تحقيقها لاننا لم نحقق المتطلبات الاجبارية لها، فكيف سنذهب الى المستويات الاعلى في تشكيل الحكومة البرلمانية ونتشاور حولها ونحن لا نملك في البرلمان كتلا حقيقية، ولا احزابا ذات برامج.
في لبنان كما في اسرائيل، وغيرها من الدول التي قطعت اشواطا في العمل الحزبي، تقع المشاورات لتشكيل الحكومات البرلمانية، وهناك مرجعيات تحاسب الاشخاص المرشحين اذا لم يحققوا برامج احزابهم، اما عندنا، فلا توجد حياة حزبية حقيقية، او للدقة تم تدمير هذه الحياة في فترة الاحكام العرفية، وبعد الولوج للحياة الديمقراطية، تلعثم الحزبيون، واكتشفوا ان ادوات المرحلة السابقة لا تنفع في المرحلة الحالية، فاستمروا في عملهم بالطريقة القديمة، بادواتها وآليات عملها، واكتشفوا بعد ذلك انهم بعيدون مئة سنة ضوئية عن تطلعات الشباب واحلامهم في حياة فضلى، لا تنسجم مع التزامات الحياة الحزبية القديمة، فابتعدوا عن الاحزاب، ولم ينخرطوا في التجربة.
سوف نكتشف بعد يوم الخميس، موعد انتهاء المشاورات بين القصر والكتل البرلمانية، اننا في جولة انتخابية جديدة مليئة بالشعارات والشروط، ولا تركب فكرة على اخرى من الافكار التي ستنقلها الكتل الى القصر، لانها افكار شخصية، من 150 نائبا، واطرهم الصديقة، وحلقاتهم الحليفة. واذا كُشفت تفاصيل هذه المشاورات فسوف نكتشف حجم الذاتية فيها، وقد عبّرت عنها كتلتان عندما اشترطتا ان يكون الرئيس والحكومة من اعضاء مجلس النواب ذاته.
لا يمكن ان تنتج افكار جديدة، من ادوات قديمة، فالقديم الذي يحاول ان يجدد نفسه، لن يجد مريدين في العالم الجديد، ومن يريد ان يعرف كيف يفكر المجتمع حولنا، وكيف يرى ما يجري، عليه ان يدخل لساعات على مواقع التواصل الاجتماعي الجديد (الفيسبوك وتوتير) ليكتشف كم نحن بلهاء. ( العرب اليوم )