الظلم والجهل هما العدوّ الأول

عندما خلق الله الكون قدّر في الأرض أقواتها، ومكّن الإنسان من القدرة على الاستغلال والاستثمار، من خلال ما وهبه من عقلية الاستكشاف ومهارة التدبير واختزان التجارب التي تساعده على تطوير مواهبه وملكاته التي تجعله قادراً على مواصلة استمرار حياته، ولكن ما نراه في كثيرٍ من بقاع الأرض من انتشار الفقر والأمراض والاوبئة والمجاعات والجفاف وسوء التغذية، واندلاع الحروب التي تفتك بمئات الملايين من البشر، إنّما مردّه إلى فعل الإنسان نفسه، وثمرة ما يصنعه البشر بأيديهم.
يقول الله عزّ وجلّ:{إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً}.
كل ما يصيب الناس من بؤس وفاقة، ليس بسبب قلة الموارد ونضوبها، وشحّ الطبيعة، وغضب البيئة، وإنّما هو نتيجة ما يفعله الإنسان بأخيه الإنسان، وما يقدم عليه من فساد وتخريب، ومصادمة لنواميس الكون، الذي يتمّ تلخيصه بالظلم، الذي ينتج عن الجشع وانحراف السويّة الآدمية، وما يؤدي إليه من اعتداء وقتل واغتصاب وتدمير وسرقة، واستخدام القوة بطريقة آثمة تخلو من قيم العدالة ومليئة بالشعور بعقدة التفوق وعدم الإذعان لمبدأ المساواة.
وهناك حزمة أخرى من الأسباب والعوامل التي مردها إلى العجز والكسل وقلة الحيلة، وضحالة المعرفة، وضيق الأفق الذي يؤدي إلى جملة من السلوكيات الخطأ التي تدمّر الموارد وتنشر الفساد في البرّ والبحر، وتؤدي إلى وقوع الخلل في موازين الطبيعة، وينعكس أثرها بؤساً وشقاءً على الحياة الإنسانية بكلّ مجالاتها وأبعادها، وكلّ ذلك تمّ تلخيصه بكلمة الجهل.
هذا يوجب علينا البحث الدائم عن مشاكلنا في أنفسنا وأعمالنا وما كسبت أيدينا أولاً، قبل الذهاب إلى منهج التبرير والبحث عن المشاجب التي نعلق عليها مشاكلنا وعجزنا، وفقرنا وبؤسنا، وقبل أن نذهب بتحميل المسؤولية للآخرين، ولذلك هناك آية قرآنية تقول {قالوا أنّى هذا، قل هو من عند أنفسكم}.
وإذا أردنا أن نطبق هذا المعنى علينا نحن في الأردن، فيجب أن نعلم أنّ الأردن مليء بالخيرات والموارد، ولكنّه يحتاج إلى امتلاك إرادة جمعية خلاقة قادرة على حفظ مواردنا، وقادرة على استثمارها بطريقة صحيحة، ويجب أن نتجنّب الظلم والجهل من أجل سلوك طريق الإصلاح الحقيقي الذي يعالج مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بمعنى آخر يجب أن يكون اختيار أهل السلطة وأصحاب القرار بطريقة خالية من الظلم؛ لأنّ الاختيار الذي يقوم على معيار القرابة أو معيار المصلحة الشخصية، أو معيار الجهة، أو معيار المال على حساب معيار الكفاءة والقوّة والأمانة فهذا صنف من أصناف الظلم الذي يحول دون إعمار الكون ويخلّ بحمل الأمانة ويؤدي إلى الفساد قطعاً.
والمسلك الثاني يكون بإنجاز ثورة علمية تربوية تعيد بناء الجيل الجديد القادر على اتخاذ قراره المستقلّ، وإدارة موارده بكفاءة علميّة خالية من الجهل الذي يؤدي إلى وقوع الكوارث وهدر الموارد وتبديد الثروة؛ فلا سبيل للنهوض، ولا طريق نحو الإصلاح إلاّ بالقضاء على العدوّ الأول المتمثل بالظلم والجهل. ( العرب اليوم )