المخدرات تتسلّل إلى المدارس
المدينة نيوز- أخيراً وجد مؤيد (17 سنة) نفسه في مركز لتأهيل الأحداث، على رغم كل ما سرقه من والده... وكل محاولات والدته في التستر عليه.
بدأ مؤيد، وهو طالب في الصف الأول الثانوي، يتغيب عن المدرسة، بسبب سعيه إلى تأمين الأموال اللازمة لشراء الحبوب المخدرة التي أدمن عليها. وكثيراً ما كان يغافل أصدقاءه وأقرباءه ممن يعملون في محال تجارية... ليسرقهم. ولمّا ملّ ذلك حاول قتل أحد أصدقائه بسكّين بغية سرقته، ولكنه فوجئ بأن صديقه تنبّه للأمر قبل الإجهاز عليه، فسارع إلى إبلاغ الشرطة التي ألقت عليه القبض فوراً.
وكان مؤيد مدمناً على الحبوب المخدرة طوال سنتين، بعدما عرفها للمرة الأولى خلال حفلة ذكرى ميلاد صديقه الثري الذي يسكن في أحد الأحياء الراقية في مدينة الزرقاء التي تبعد 30 كيلومتراً شمال عمّان.
أما الفتى محمد فوجد نفسه في «مركز علاج المدمنين» التابع لإدارة مكافحة المخدرات في العاصمة الأردنية، بعد ست سنوات من الضياع والإدمان على الحبوب المخدرة.
مؤيد ومحمد هما نموذجان من مئات، وربما آلاف، من الشباب الأردنيين الذين انجرّوا وراء أوهام النشوة أو الهروب من الواقع أو البحث عن ثقة متوهّمة في النفس، عبر تعاطي الحبوب المهدئة أو المخدرة، ليصبحوا في نهاية المطاف فريسة الإدمان وسائر أشكال الانحراف النفسي والاجتماعي.
وأثارت دراسة نشرها مكتب هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالجريمة والمخدرات حول وضع المدارس الحكومية الأردنية، قلقاً لدى المسؤولين وأولياء الأمور في البلاد.
وأشارت الدراسة إلى نمو عدد الطلاب، من الجنسين، الذين يتعاطون الكحول والمخدرات، على رغم أن النسب ما زالت متدنية. وبلغ حجم العيّنة التي شملتها الدراسة 2471 طالباً وطالبة في 26 مدرسة حكومية، تراوحت أعمارهم بين 11 و16 سنة.
وحضّت الدراسة، التي شارك في إعدادها خبراء من وزارتي التربية والصحة في الأردن، المسؤولين على إعداد خطط علمية ومنهجية حديثة لتوعية الطلبة وذويهم بخطورة تعاطي المخدرات والكحول. وشدّد الخبراء على أهمية «عدم التقاعس في تحضير هذه البرامج، تفادياً لتفاقم المشكلة في صفوف الطلاب مستقبلاً».
وحلّ تعاطي الحبوب المهدئة في المرتبة الأولى بين طلاب المدارس بنسبة بلغت 2،4 في المئة من هؤلاء. وكان لافتاً أن حجم انتشار هذه الآفة بين الطالبات أعلى من الطلاب الذكور، بحسب نتائج الدراسة.
واحتل تناول الكحول المرتبة الثانية بنسبة 2.3 في المئة. وتوجد «سوق سوداء» رائجة في مدن أردنية عدة، وكذلك في بيئة بعض الجامعات، تتوافر فيها كميات الحبوب المخدرة، سواء عبر صيدليات خاصة أو عامة، أم عن طريق «التهريب» بأشكاله المختلفة.
ورصدت الدراسة «انتشار استنشاق المواد المخدرة والطيارة (المواد التي تتحول إلى غازات) بنسبة 2.2 في المئة» من العينة، وتساوت فيها نسبة التعاطي بين الإناث والذكور.
في المقابل، وصلت نسبة تعاطي المخدرات إلى أكثر من 1.5 في المئة. وأقر مدير «المركز الوطني لتأهيل المدمنين» التابع لوزارة الصحة جمال العناني بأن «الأردن يواجه مشكلة تعاطي المواد المؤثرة عقلياً»، خصوصاً لدى الفئة المنتجة في المجتمع، أي أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و45 سنة.
ولفت العناني إلى ظهور «مؤشرات في بداية التسعينات (من القرن الماضي) تدل على ضرورة التصدي لمشكلة الإدمان، منها ظهور حالات وفاة بجرعات زائدة بين الشباب الأردنيين، وزيادة مراجعي العيادات التابعة للمراكز النفسية في القطاعين العام والخاص، وزيادة كمية المخدرات المضبوطة من جانب إدارة مكافحة المخدرات».
وأوضح مصدر في وزارة التربية والتعليم الأردنية أن الوزارة «ليست معنية بالطلاب خارج حدود المدرسة»، معتبراً أن ما يهمّها هو «سلوك الطالب داخل المدرسة فقط»، في إشارة إلى الدور الذي يجب أن تلعبه الأسرة في هذا المجال.
وأشار إلى أن الوزارة تحاول إعداد برامج وقائية ورصد حالات إدمان داخل أسوار المدرسة أثناء الدوام الرسمي، وذلك بالتعاون مع مديرية مكافحة المخدرات التابعة لمديرية الأمن العام.
وعزا الخبير الاجتماعي سري ناصر تفاقم مشكلة المخدرات والكحول في المدارس الحكومية إلى تنامي حالات الفقر داخل المجتمع الأردني، مشيراً أن «الشاب المراهق عندما لا يجد المال الكافي الذي يستطيع من خلاله مواكبة العصر (…) سينخرط في عمليات إجرامية» لتحقيق ذلك، ما يدفعه إلى «الانحراف وتناول المسكرات أو الكحول أو كلاهما، لينسى فقره».
واعتبر ناصر أن المدارس الحكومية عليها إشكاليات كبيرة، فهي «مكتظة والبنية التحتية ليست على ما يرام»، معتبراً أن «من الصعوبة بمكان القضاء على هذه الإشكالية بوقت قصير».
وتضم المملكة ثلاثة مراكز لعلاج المدمنين، أحدها يتبع لوزارة الصحة التي تشرف، أما المركزان الآخران فيتبعان لوزارة الصحة، وهناك إشراف طبي متخصص منتشر في كل السجون. ويبقى المريض في المستشفى مدة 45 يوماً يُشرف عليه طبيب متخصص، وتبلغ تكلفة علاج المريض الواحد 2000 دينار، وهي تكلفة عالية. كما يتلقى المريض محاضرات نفسية ودينية واجتماعية أثناء وجوده في المستشفى، وبعد تماثله للشفاء وخروجه من المستشفى... يخضع لمراجعات دورية ومراقبة مستمرة طوال سنتين له. «ولدينا أجهزة طبية متطورة قادرة على اكتشاف أي تعاط للمخدرات بعد ذلك». " الحياة "