«الحجر الوطني» يرفعه الجميع: هذا درس في التوافق!

عندما اختلف أهل مكة على بناء “الركن” الذي هو الحجر الاسود في الكعبة، أشار عليهم ابو أمية المخزومي بان “يحتكموا” الى أول رجل يدخل من باب المسجد، فلما توافقوا على ذلك ورضوا به، دخل محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام “ولم يكن قد بعث آنذاك”، فأخبروه الخبر، فقال: هلموا ثوبا، فأتوا به، فوضع “الحجر الاسود” فيه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا، فرفعوه حتى اذا بلغوا به موضعه، رفعه بيده، ثم بنى عليه.
هذا درس في الحكم، وأجدر الناس بان يلتفتوا اليه هم “الاسلاميون”، ومعناه واضح وهو ان حمل مسؤولية “الوطن” وادارة شؤون الناس - وهي هنا مسألة مقدسة - لا يمكن ان ينهض بها فرد او فصيل او جماعة وانما تحتاج الى “توافق” الجميع، بحيث يفردون “انفسهم” معا ليحملوها، وتتشابك ايديهم معا ليتمكن من تحقيقها.
كان بوسع الرسول عليه السلام ان يحسم الجدل بين القوم، فيأخذ الحجر الاسود بيده ويرفعه بنفسه، وكان يمكن ان يقتنعوا بما فعل، لكنه أراد ان يقدم درسا آخر في “الشراكة” القائمة على التوافق والتفاهم. كبديل “للصراع” والانقسام، والمخرج للاستئثار بالمسؤولية وإقصاء الاخرين عنها سواء بذريعة احتكار الصواب او انحياز الاغلبية او غيرها من الحجج والمبررات.
حين تدقق فيما يحدث في بلداننا العربية، سواء التي وصل الاسلاميون فيها الحكم او الاخرى التي ما تزال تبحث عن “ملاذاتها” الاصلاحية، تكتشف بان وراء نزعة “الانقسامات” والصراعات والتجاذبات التي حوّلت المجتمعات الى قبائل والمناخات العامة الى حروب مشكلة اساسية وتعي “الرغبة في التفرد” فكل فصيل يرى ان من حقه ان يحمل “الوطن” بيده، وان “يحتكر” الحكم لنفسه، وسواء اعتمد منطق الاحتكام الى الصناديق او منطق “الاقدر” على ادارة شؤون الناس، فان النتيجة واحدة، وهي غياب “الحكمة” والتفاهم والعمل المشترك.. وبالتالي البقاء في مربع الفشل.
تصور لو ان “القوى السياسية” بكافة أطيافها استفادت من درس “الحجر الاسود” او من “درس” مانديلا الذي وحد شعب جنوب افريقيا المتعدد الاديان والالوان وتوافقت على اهداف مشتركة، وتجنبت الخوض في “الخلافات” او أجلتها لمرحلة اخرى، وجعلت من “قضايا الناس” وهمومهم أولويات نقاشاتها، وزهدت في اقتسام “المواقع” والمناصب، لو فعلت ذلك هل ستكون حالة مجتمعاتنا كما هي عليه الآن، هل سيشعر الناس بهذه “الخيبات” وبالاحباط وبفقدان الثقة بالجميع.
لقد اخطأ أخواننا في “مصر” حين أخذوا السلطة وحدهم وتركوا الاخرين في “الميادين”، وأخطأوا حين “أداروا” الدولة بعقلية “الجماعة” واخطأوا حين حملوا “الحجر الوطني” وأصروا على وضعه بأيديهم فقط، وأخطأوا حين تصرفوا بمنطق “ردّ الثارات” بدل منطق “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.. وأخطأنا معهم ايضا حين تصورنا بان “الاخوان” ملائكة لا يخطئون، وبانهم دون غيرهم “الناطق” المعتمد باسم الدين، وبأنهم - وحدهم - المخولون بإقامة النهضة واستعادة مجدّ “الأمة”.
وفي بلداننا - ايضا - نخطئ حين نتصور بان “إقصاء” البعض أو تخويف الناس منهم مدخل “للتوافق” او “مخرج” من الازمة. وبأن وضع “الحجر الوطني” وظيفة طرف دون آخر، أو مهمة بديل على حساب أصيل، ونخطئ حين نظن بان “انقسام” المجتمع دليل على العافية والنجاح، وبيع “الوهم” طريق الى إعادة الامل، وشراء الوقت سبيل للذهاب الى صيدلية الحل.
دعونا نضع “حجرنا الوطني” المقدس على ثوب واحد، ونتوافق على حمله معا، وحينئذ ستدركون كم هي “سهلة” أزماتنا، وكم نحن قادرون على تجاوزها في نصف ساعة!. ( الدستور )