حول الموقف الرسمي الأردني من المعركة السورية

خلال الأيام الماضية، تكاثرت التحليلات التي تتحدث عن تغير في الموقف الأردني من الأزمة السورية، مستشهدة على سبيل المثال بزيارة الملك إلى موسكو، وتزويد النظام السوري بالمحروقات، وبعض التفاصيل الأخرى المشابهة، فيما كان التركيز منصبا قبل ذلك على العلاقة المتنامية مع الحكومة العراقية، والتي لا يمكن النظر إليها بعيدا عن تفاصيل الملف السوري .
وإذا شئنا الحديث عن تغير في الموقف، فإن ما ينبغي قوله هو أن الموقف الرسمي الأردني لم يكن مع النظام، ولم يكن مع الثورة، بل يراوح بين الموقفين، ربما لأنه غير متأكد من نتيجة المعركة، في ذات الوقت الذي يتعرض فيه لضغوط وإغراءات من المعسكرين (قطر والسعودية وتركيا من جهة، وإيران والعراق وروسيا من جهة أخرى)، مع حياد أمريكي غربي يشمل رفضا لتمرير سلاح نوعي للثوار من خلال الأردن.
لم يقطع الموقف الرسمي لا مع الثوار، ولا مع النظام، فيما يبدو الأخير مرتاحا للموقف، ليس لقبوله بكل تفاصيله، بل لأنه يدرك أن انحياز الأردن الكامل للثورة سيعني فتح أبواب جهنم عليه (على النظام السوري)، ويكفي أن يتكرر المشهد التركي من جهة الشمال هنا في جبهة درعا وصولا إلى دمشق كي يتغير ميزان القوى.
والخلاصة أن النظام السوري يقبل بهذا المستوى من التعامل، فيما لا تجد المعارضة فرصة للرفض أيضا، هي التي يجلس عدد من رموزها في عمان، بينما تعتبر الأردن شريانا مهما سيؤثر سلبا على الثورة فيما لو قطع تماما.
من المؤكد أن المخاوف من جبهة النصرة، وربما الإخوان تبدو حاضرة في سياق تقدير الموقف الأردني، لكن ذلك ليس كبيرا إلى الحد الذي يجري تصويره، وعموما لا أحد يتحدث عن سوريا تحكمها فئة بعينها بعد سقوط بشار، فهذه ثورة حرية وتعددية (في بلد متعدد الأعراق والأديان) وليست انقلابا عسكريا أو تمردا مسلحا بالمعنى التقليدي.
ربما قيل في هذا السياق إن بوسع الموقف الرسمي الأردني أن ينحاز للحل السياسي كما هو حال عدد من الأنظمة العربية، لكن المشكلة هنا أن الأردن يشبه تركيا وليس الآخرين من حيث قدرته على التأثير في مصير الثورة، وهو بموقف حاسم لصالحها سيسرِّع الحسم ويقلل حجم المعاناة والتدمير.
الجانب الآخر أن الحل السياسي لا يمكن أن يمر إذا تضمن بقاء بشار في السلطة، لاسيما أننا إزاء نظام طائفي تسيطر أقليته على الجيش والمؤسسة الأمنية، وإذا لم يُخلع بشار فسيبقى كل شيء على حاله مهما أجري من تغييرات في الحكومة.
يقول البعض إن التعويل على سقوط النظام ليس واقعيا، وبالتالي فإن الأفضل للأردن أن يتخذ موقفا وسطا أو أكثر قربا للنظام بحيث يكسب حلفاءه (حلفاء النظام) وما يقدمونه من مكاسب، لكن ذلك لا يبدو صحيحا، إذ أن الحديث عن عدم توفر فرصة سريعة للحسم شيء، والحديث عن إمكانية بقاء النظام بعد كل هذه الدماء والتطورات شيء آخر.
لا أفق لبقاء النظام مهما طال أمد الأزمة، وكل هذه “البروباغندا” التي يوزعها أنصار النظام هنا وهناك ليست مقنعة، فهو الآن يقاتل دفاعا عن العاصمة ولا يتمكن من فك الحصار حولها رغم محاولاته المستميتة، بينما يترنح في مناطق أخرى كثيرة، من بينها المدينة الثانية (حلب). الأهم من ذلك أن طول أمد الثورة ليس جيدا أيضا، إذ يرتب على الأردن مشاكل أمنية وإنسانية، وأخرى ذات علاقة بالبنية التحتية بسبب استمرار تدفق اللاجئين، حتى لو تم تمويل وجودهم بهذا القدر أو ذاك من الخارج.
في ضوء ذلك كله، يمكن القول إن من مصلحة الأردن أن يقف إلى جانب الثورة، لأنه يراهن بذلك على الحصان الرابح، وهو حين يفعل ذلك ويسرِّع الحسم ويقلل المعاناة ستكون له يد عليا عند الشعب والوضع السوري الجديد، فضلا عما يعنيه ذلك فيما يتصل بعلاقاته مع داعمي الثورة أيضا، أما المكاسب التي تترتب على الموقف الآخر، فتبدو آنية يرتبط أكثرها بمدة ببقاء النظام، وهي مدة لن تكون (مهما طالت) ذات قيمة كبيرة وفق معايير السياسة الإستراتيجية للدول. ( الدستور )