في مصر لا مفر من الصبر !
كان الله في عون مصر وفي عون الفقراء الغلابى من أبناء شعبها الصابر على محنتها وأزمتها ، فالحالة التي وصلت إليها الأوضاع ينطبق عليها قول الخليفة علي كرم الله وجهه وهو يخاطب الصبر إذ يقول : " سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري ، وأصبر حتى يحكم الله في أمري ، وأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمّر من الصبر ." نقول ذلك ونحن ندرك تماما مقدار الصعوبات والتحديات التي تعصف بربيع مصر وبثورة ميادينها من ناحية ، وما أنتجه ذلك من تداخل مؤلم بات يسيطر ويفرض نفسه على العلاقات القائمة بين مختلف قوى نسيجها السياسي والوطني ، وعلى الأخص بين تلك القوى التي لا يستطيع أحد أن يشكك في إنتمائها لمصر وحرصها عليها وعلى أمنها ومستقبلها من ناحية أخرى .
لسنا بحاجة إلى المزيد من التحاليل والأقوال ، فالحالة المصرية التي تلت ثورتها وما حققته من تغيير لا تزال تحاول أن تتلمس طريقها نحو المستقبل الأفضل والواعد ، وهذا يحتاج إلى أفعال وإنجازات على أرض الواقع وبحيث تنعكس إيجابا على مختلف الشرائح المسحوقة من شعبها الذي عانى وصبر على ما هو أكثر مرارة من العلقم والحنظل ، صحيح أن المسافة المقطوعة لا تزال دون المأمول ، وصحيح أيضا أن التلكؤ والتباطؤ يسيطران على المشهد العام ، ولكن الأهم يكمن في دوام بقاء البوصلة مشيرة نحو الشمال المصري ، هذا هو التحدي التكتيكي والإستراتيجي المطلوب للمحافظة على الثورة ، وهذا ما يجب أن يصبر لأجله شعب مصر .
في الرسالة الأسبوعية للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر السيد محمد بديع نجد أنه لا يزال يتهم الأيدي الخفية بالتخطيط لهدم الدولة المصرية ، وبمحاولة أجهاض الثورة ، وإتلاف ثمارها وتشويه صورتها ، وبما يدفع الناس إلى الكفر بها والندم عليها ، ولتحقيق ذلك فالمرشد يؤكد أن أموالاً تُدفع ، ومؤامرات تُدبر ، وخطط خبيثة يتم التخطيط لها لعودة الأمور مرة أخرى إلى عصر الظلم والفساد ، ويتهم المرشد سدنة النظام البائد والمنتفعين منه بالمسؤولية المباشرة عن تنفيذ ذلك ، وأن أعداد الخارج والدخلاء منهم الذين يكرهون عزة وقوة مصر هم الذين يساندونهم على القيام بهذه الأفعال الإجرامية ، بهدف تقويض الداخل المصري وهدمه وحرمانه من الإستقرار المطلوب للمضي قدما بأهداف الثورة الفعلية في العيش والحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية .
الدكتورعبد الحليم قنديل وهوالمنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير " كفاية " ذات الإتجاه القومي ، له رؤية أخرى عبر عنها في مقاله الأخير الذي نشرته صحيفة " القدس العربي " تحت عنوان " إدانة الثورة " حيث يقول : تتوالى هذه الأيام عمليات إخلاء سبيل لعدد كبير من أعوان الرئيس المخلوع مبارك أمثال فتحي سرور وصفوت الشريف وزكريا عزمي وبقرارات قضائية ، وربما يجري الإفراج عن حسني مبارك نفسه ، وهذه القرارات يتم أخذها بموجب قوانين وتشريعات وضعها النظام المخلوع لحماية سياساته ، ثم جاءت الثورة ولم تتغير القوانين ، وعليه فمن الطبيعي أن تنتهي المحاكمات ببراءة الجميع من جرائم المال أو الدم ، وفي ذلك إدانة للثورة التي سيصبح شهدائها مجرمين وخارجين على القانون بينما يتحصن القاتلين بموجب قوانين نظام يفترض نظريا أنه سقط .
ويضيف السيد قنديل أن ذلك سيجعل من الثورة وكأنها قصة عبث في عبث ، وسوف يساهم في ذلك من رفض المحاكمات الثورية ، ورفض المصادرة الفورية للأموال المنهوبة ، وهنا يتهم السيد قنديل مجلس طنطاوي وعنان الذي استلم الحكم من مبارك ويتهم كذلك جماعة الإخوان التي استلمت الحكم من المجلس العسكري ، وهذا ما عبر عنه بالخروج الآمن لجماعة المجلس ، و الدخول الآمن لجماعة الإخوان ، وبموجب تعهدات ضمنية ستنتهي إلى إخراج جماعة مبارك من السجون في أقرب وقت ، وعلى قواعد " تصالح المصالح " مع رجال الأعمال من رموز النظام المخلوع والتي تتم وتجر عبر مساومات الكواليس .
وهذا إذا ما كان صحيحا فسوف ينتهي إلى سحق ودهس مصالح ومطامح أفقر شعب في المنطقة ، فسواد المصريين لا يزالون وبعد عامين من خلع مبارك تحت خطوط الفقر والبطالة والعنوسة والجهل والمرض ، وهذا إذا ما كان صحيحا فسيعني أيضا إبقاء مصر من جهة في وضع المستعمرة الأمريكية بإمتياز وبإبقاء الإقتصاد تحت الوصاية الدولية وسيطرة رأسمالية المحاسيب .
إذا ما غصنا في التفاصيل التي تختفي وراء الأقوال ، فسنجد أن المسافة لا تزال بعيدة بين طرح المرشد بديع والمنسق قنديل ، فكيف يمكن قطعها لمصلحة مصر وشعبها ؟ وكيف يمكن تجاوز الألغام المزروعة على جنباتها ؟ وكيف يمكن توحيد طاقات وإمكانيات كل القوى الغيورة والحريصة والمنتمية للثورة وأهدافها ؟ الأسئلة كثيرة ، ولكن ، أين يمكن العثورعلى الإجابات التي يريدها شعب مصر والتي يمكن أن تنقذ الثورة مما يحاك لها في عتم الليل الحالك ؟.
وهل يتحقق ذلك بمواصلة الإعتصامات في الميادين ؟ أو بإعلان العصيان في هذه المحافظة أو تلك ، لا أعتقد ، فمائدة الحوار المشترك من قبل كل الوطنيين المصريين ، وعلى قواعد المشاركة والتكاتف والعمل الوحدوي ، قد تكون هي المخرج الآمن الذي سيدفع بالثورة إلى الأمام وينقذها من كل المؤامرات الداخلية والخارجية ، وبغض النظر عن كل التصريحات ، فالمؤكد أن قرار مواصلة الثورة سيبقى في يد شعب مصر والذي لا مفر له الآن من ضرورة الصبر على الألم والوجع ، فجمع الثمار التي بشرت بها الثورة لا يزال بعيدا بعض الشئ .