مدنية الواقع وعشائرية الفكر
لا أدري كيف أبدأ مقالتي هذه بانتقاد مجتمع أُعتبر نفسي فردا من أفراده ,فلنعتبرها جلدا لذات ....
الاسرة الاردنية والتي فيها تُمزج أصول التربية والتأثر بعادات المجتمع وتقاليده ,وكيف للفرد فيها أن يكون متقنا لاصول اللعبة الاجتماعية وكيف عليه أن يمرن فكره على قاعدة العيب والعادات والمتطلبات الاجتماعية ,وكأن الاسرة من أعلى هرمها الى "القعده " تعيش في مجال مغناطيسي والذي يجذب كل من حوله لمركز القوة وهي العادات وليس شيء آخر ,وحقيقة هناك ما هو داء قد انتشر في مجتمعنا وهو للاسف تفضيل المبرر الاجتماعي على الديني أو الاخلاقي في بعض الاحيان ,و قد نكون جميعا متأثرين بهذه العادات وأسبار عشائرنا ,ولكن وقد أجزم بأن الاخلاق والمنطق تفرض على الفرد المثقف "وليس المتعلم " أن يصنع التغير الايجابي ,وما هو جدير بالذكر هنا بأن الفرد في المجتمع الاردني كوصف عام يعتبر فرد متعلم وتعايش مع صروح العلم والتعلم وبيئة الاختلاط الايجابية ولكنه في لحظات حينما يعود الى بيئة نشأته يتجرد نهائيا ويعود جنديا في معسكر العادات والتقاليد ,وهنا يكمن سر الخلطه ...
مزيج من التنافس بين القيم الخيره والاصاله العربية التي توارثها المجتمع الاردني و العبثية في الفكر المقدس ,لم تكن عاداتنا وتقاليدنا الا مضرب في الخير والعدالة والصدق ولكن قد تكون صعوبات الحياة وتغير حال الدنيا على مر الزمان قد اضطر الناس الى خلق تبريرات لسوء التعامل مع الظروف وعدم استطاعتهم فرض قانون الخير والعدالة بشكل يوازي توسع المجتمع وتغير تضاريسه ,فبتالي عندما دخلت قوانين الحياة المدنية على بيئة العشائر وبدأ التفاعل بينهما نتج وسط لا يمكن لاطرافه الاستمرار الا مجتمعين ,فالمجتمع العشائري يحتاج الى بيئة مدنية تساعده على التطور وكذلك الامر بالنسبة للمدنية التي من دون العشائرية لن تأخذ صك الغفران لما ستغيره في حده العادات والتقاليد .
وهذا الخليط انتج افرادا منسلخين فكريا عن العادات والتقاليد ويحاربونها في داخلهم ولكنهم منسجمين سلوكيا معها دون اقتناع كامل منهم ,فهذا النفاق اللارادي والنابع من قلة الثقة بالمدنية في ايجاد ضمانات تكفل لهم حياة مدنية تنسجم مع دينهم وقواعده الاساسية وفي نفس الوقت ترقو بهم الى الامام وتطور بيئة العيش بعيدا عن العشائرية والعادات ,وقد يكون أكبر خطر على المجتمع الاردني الذي يغرق حاليا في حرب بارده بين الواقع والعادات والاسبار والذي لن يستطيع أن يوجه قدراته ورغباته الى ما يريد فعليا ,فما أن يلبث ويشعر بانفتاح أفق الحياة المدنية أمامه تواجهه حالة التضارب المعتادة فيضطر الى التمسك بالعادات لمعالجة الامر ,هذه العبثية في التخلي الفكري عن العادات والتعايش بروح المدنية دون أن يفهم فعليا ذلك ستحول المجتمع الى بيئة هشة لا يستطيع المرء فيها أن يعتمد على قوانينها لتكون درعا يحمية من المشاكل الاجتماعية وحتى القانونية ,فاول مواجهة مع القانون وعندما يكون فيها الفرد الطرف الاضعف يرجع كعادته الى معسكر العادات والعشيرة ويحاول حله مشاكله من هناك ,ومثال ذلك ما حدث في الانتخابات الاخيرة فالشرائح التي كانت مع قانون الصوت الواحد وأبت الا المشاركة وايدت ذلك ,فلما واجهتها مبادىء الديمقراطية ونطقت الصناديق ,تحولت تلك الشرائح الى معارضين ومتمسكين بحق عشيرتهم ومتحدثين باسمها ومن خلالها وطالبوا بالحل تبعا للحق العشائري والظلم والظالم .
للمرء حرية أن يكون وللمجتمع حرية الانتقاد وما علينا تأكيده أن التفاعل يبنى على المصالح التي تضمن الاستمرار والتواجد كمؤثر يؤدي دوره ويرسم ملامح الحياة القادمة ولكن أن تكون المعركة الباردة بين المدنية والعشائرية دون زمن معلوم نهايته أمر يشكل خطرا على الطرفين فغوص في المدنية دون رقابة يعتبر خيانة عظمي لاسس العشائر وعاداتها الخيره ومجاملتها في المحافظة الشكلية عليها والانغماس في تشكيل ضمنيات الحياة تبعا لمدنية الفكر, سيجعل كل شيء بلا قيمة ثابته وستذهب الفائدة من كل ما فيه هدف ويصبح المطلوب هو العيش تبعا للواقع , وسنكون فيه مجرد شخصيات مطبقة له دون أن ترسم ملامحه .