تجربة رائدة في الرصيفة

تجربة الأستاذ المحامي "عمر الجرّاح" في مدينة الرصيفة تجربة اجتماعية رائدة، تستحق الدعم والتعزيز والتشجيع والتعميم، لتصبح في كلّ مدينة وحيّ وقرية، من أجل الإسهام في السير بالمجتمعات المحلية نحو التمكين الفعلي، عن طريق المبادرات الطوعية من قبل الشباب الذين يقومون على خدمة مجتمعاتهم بطريقة علمية منهجية مدروسة، وتسهم في حلّ مشكلاتها وتنميتها بطريقة إيجابية.
عمر الجرّاح رجل متقاعد من القوات المسلحة، درس القانون والمحاماة بعد تقاعده، واختار السكن في مدينة الرصيفة المكتظة والمزدحمة بالسكان عن سابق تخطيط، حيث إنّ هذه المدينة تحتاج إلى مزيد من الرعاية الاجتماعية والخدمة متعددة الجوانب والأوجه في ظلّ الدراسات التي تؤشر إلى زيادة معدلات الجريمة المقترنة بزيادة نسبة الفقر، وزيادة نسبة البطالة بين الشباب وضيق فرص العمل وقسوة الظروف الاجتماعية، فعمد إلى إنشاء مركز "أمان" لحقوق الإنسان إلى جانب إنشاء محال كمبيوتر وإنترنت.
استطاع الأستاذ عمر أن يجمع حوله ما يقارب (280) شاباً من شباب الرصيفة الذين أرادوا الانخراط في مبادرات تطوعية لخدمة مدينتهم وأهلهم ومجتمعهم، مثل تنظيف الشوارع والساحات والمدارس والمقابر، ومساعدة المجتمع المحلي، كما عمد إلى القيام بعدة دراسات اجتماعية، تناولت بعض حالات الموقوفين وأصحاب الجنايات الذين يخضعون للإقامة الجبرية، واستطاع عن طريق التعاون مع الحاكم الإداري، والجهات الحكومية المختصة أن يتوصل إلى الاتفاق على إيجاد حلول عملية لهؤلاء الخاضعين للإقامة الجبرية، بحث تكون الحلول إصلاحية، ولا تزيد المسائل تعقيداً، عن طرق المعالجة والبحث عن وسائل إعادة إدماجهم في مجتمعاتهم، وتحسين سلوكهم، ممّا أدى إلى فك الإقامة الجبرية عمّا يزيد على (160) شخصاً.
المضمون الأكثر أهمية في هذه التجربة هو المتمثل في روح المبادرة، والاهتداء إلى أسلوب علمي صحيح في العمل المجتمعي القائم على معنى الخدمة الاجتماعية، والنمط التعاوني بين أفراد المجتمع في إيجاد حلول عملية وطرح بدائل منبثقة من ذات المجتمع، وعدم الاكتفاء بمنهج الشكوى والتذمّر واتباع منهج النقد وأسلوب إلقاء اللوم على الآخرين، الذي يخلو من الإيجابية في طريقة التفكير والاكتفاء بالاعتماد على الدولة، وانتظار الحلول من الحكومة والجهات المسؤولة.
نحن بحاجة إلى هذه الروح، وهذه الثقافة في مجتمعاتنا المحلية في جميع المدن والقرى والمخيمات والتجمعات السكانية، ونريد من الشباب أن يفكروا في إنشاء التجمعات الشبابية وإيجاد اللافتات التطوعية والمؤسسات الخدمية، التي يأوي إليها الشباب المتحمسون الذين يسخرون عقولهم وجهودهم في البحث عن الحلول الإبداعية وابتكار الطرق الجديدة التي تمكنهم من خدمة مجتمعاتهم، وبث روح التعاون وأنماط العمل المشترك بين أفراد المجتمع في خدمة أنفسهم والإسهام في حل مشكلاتهم بالتعاون مع الجهات المسؤولة والمؤسسات المختصة.
نحن بحاجة إلى إرساء ثقافة "المبادرة" بين الشباب والأجيال الجديدة، والعمل على تحسين أحوالهم الاجتماعية، والإسهام في حلّ مشاكل مجتمعاتهم، وسوف يجدون أعواناً لهم على الخير وفعل الخير؛ لأنّ مجتمعاتنا خيّرة بالفطرة وتميل إلى ثقافة التعاون والعمل المشترك في كلّ المجالات، وعلى جميع الأصعدة.
نحن بحاجة إلى شعار "بادر" ولا تنتظر، من أجل التخلص من ثقافة الاتكالية والعجز والخوف، ومحاربة ثقافة المجتمع الريعي التي تزيد مساحة الفقر، وتزيد منسوب الجريمة والتفكك الاجتماعي. ( العرب اليوم )