شيزوفرينيا قومية!!

كتبنا في هذه الزاوية الحرجة قبل فترة عن الفهم العربي لنظرية مالتوس في تحديد النسل، وهي ليست وصفة ديمغرافية أو نظرية، بقدر ما هي حروب أهلية ينتجها صراع الطوائف، وقبل أيام قليلة أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً عن أحوال الناس في العراق، الذي كان أرض سواد من شدة اخضراره ومنقعاً في الماء حتى أخمص قدميه ثم بدأ الشحوب يلفه ويظمأ الناس فيه وقد يصل الظمأ الى نهريه الخالدين.
في التقرير أن ستة ملايين عراقي على الأقل يعانون من امراض نفسية في مقدمتها الشيزوفرينيا أو فصام الشخصية، وهذه النسبة تشكل ربع السكان، واذا أضيف اليها ما يقارب التسعة ملايين مهاجر فان من تبقوا من أهل العراق العريق منهم أطفال يعانون من أمراض تسبب بها استخدام أسلحة محرمة.
ولو صدر تقرير مماثل عن مصر لكانت النسبة ثلاثة أضعاف على الأقل، ومن يعانون من فوبيا الحرب الاهلية اللبنانية لم يصل أي حاسوب الى تحديد نسبتهم، اما السوريون فمثل هذه الامراض هي الآن في طور التصنيع، ولا أحد يعلم كم ستكون نسبة المصابين بالشيزوفرينيا بعد هذه الدراما الشامية التي تبث على مدار الساعة بالدم الحي واللحم المحترق.
ما أود قوله بعيداً عن السخرية السوداء رغم ان ما قاله بول فاليري يحضرني في هذا المقام وهو ان الحمقى وحدهم من يظنون ان الكوميديا ليست من الجد في شيء هو ان العربي أصبح اثنين بفضل هذه الشيزوفرينيا، لهذا يتضاعف عدد السكان وهذه بدورها مالتوسية من طراز آخر، فاذا خسر الوطن العربي نصف تعداده الديمغرافي في هذا الاحتراب أو بمعنى أدق الانتحار القومي، فان الشيزوفرينيا ستعوض المفقودين ما دام كل واحد منا قد أصبح اثنين واحد مع النظام وآخر مع اسقاطه وواحد نهاري وآخر ليلي، وواحد يريد الرغيف وواحد يريد الحرية.
انها شيزوفرينيا وبائية وقد تكون البديل عن غياب الوحدة العربية، تلك الوحدة التي لم تتحقق الا من خلال تجانس الشقاء والتخلف وانخفاض منسوب الحياة. الساسة والجنرالات لا يهمهم ما يسمعون به من هذه التقارير، رغم ان العدوى وصلت اليهم وهم آخر من يعلمون لأنهم ايضا عادلون ومستبدون، ووطنيون ومتخاذلون، لهم كلام في السّر وآخر في العلن.
فهل نتقدم بالشكر الى منظمة الصحة العالمية عن هذه التقارير لأنها تطمئننا على عدم الانقراض، ما دام كل فرد منها قد أصبح اثنين بفضل فصام الشخصية وحرب العصابات النفسية التي تدور في باطن نفوسنا سراً.؟
سيكون من التكرار الممل التذكير بأسباب انقراض بعض الكائنات ومنها الديناصور أو التذكير بتلك الضفادع الاسترالية التي لا تحس بالألم حتى لو سلخت إلا عندما يقترب السكين من رأسها.
فالواقع لا يقدم لنا أمثلة وشواهد تتفوق على تلك التي تقدمها الطبعة ودروس علم الاحياء، فالعلم الآن حكر على الموتى، والتكاثر شيزوفريني! ( الدستور )