البلطجة في زمن الثورات

أدخلت الثورات والاحتجاجات العربية مصطلح البلطجية بقوة في المفاهيم السياسية. فبعد غزوة الجِمال والبغال على شباب ميدان التحرير في مصر، فرض المصطلح حضوره بقوة على أية مواجهة تتم بشكل لا أخلاقي تجاه محتجين مسالمين.
البلطجية أو البلطجة بحسب تعريف موسوعة ويكيبيديا هي نوع من التذمر يفرض فيها البعض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين، ويرهبونهم وينكّلون بهم، وهي لفظ دارج يعود أصله إلى اللغة التركية، ويتكون من مقطعين: "بلطة" "جي"؛ أي حامل البلطة، و"البلطة" كما هو معروف أداة للقطع والذبح. والبلطجة في الاصطلاح هي استعمال القوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة؛ وهي نابعة من احتياج صاحب القوة - فرداً أو مجتمعاً أو دولة - لموارد ومواهب وقدرات الآخرين لتوظيفها بطريقة نفعية.
وبغض النظر عن معنى البلطجة، فمن المؤكد أنها أصبحت من الظواهر المعتادة في حياتنا الحديثة - فردياً وجماعياً ومؤسسياً - وربما تذكرنا بظواهر القرصنة وقطع الطريق تاريخياً.
في مصر يربطونهم بالنظام وأجهزته الأمنية المختلفة، التي تستعمل مجرمين سابقين، بائعي ومستهلكي المخدرات، أو مرتزقة من أجل القيام بأعمال شغب ضد المتظاهرين والمعارضة في الساحات العامة، وحتى داخل الجامعات، وذلك مقابل مبالغ مالية.
أيضا البلطجية وصلوا إلى الثورة الليبية، بعدما استعان العقيد معمر القذافي بأعداد كبيرة من المرتزقة الأفارقة والعرب، وقد مارسوا أبشع أشكال التنكيل بالشعب الليبي الثائر.
الغريب في أمر "البلطجية" أنهم يطالبون بحقوقهم! هذا ما يطالعه زوار موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عندما يتصفحون الصفحة الخاصة بالبلطجية على هذا الموقع.
الطريف أن هذه المجموعات الخارجة على القانون تعتبر نفسها "صاحبة مهنة"، وبالتالي تطالب بتشكيل وترخيص نقابة خاصة بها. ويعتقد كثيرون أن الصفحة الإلكترونية لهذه المجموعات ربما تكون أنشئت على أيدي ناشطين شباب في مصر بهدف التذكير بشكل ساخر بدور هذه المجموعات في الاعتداء على التظاهرات الشبابية في ميدان التحرير بالقاهرة.
في زمن التغيير، وبعد أن أصبحت البلطجة أمراً واقعاً، علينا التفريق جيداً في تشكيلات البلطجة، فهناك البلطجة السياسية، وفي هذا النوع من البلطجة حدّث ولا حرج عن أعمال تزوير واحتكار للسلطة وتلاعب بمصائر الشعوب، وهناك البلطجة الاجتماعية، وهي نوع من التسلق والنفاق الاجتماعي من أجل قضاء المصالح، وتتجسد أيضاً في هؤلاء الوصوليين الذين يشترون المكانة الاجتماعية بأموالهم، مثلما تمثلت مؤخراً في المال الفاسد وشراء ذمم المواطنين في الانتخابات الأخيرة.
إن أخطر أنواع البلطجة تلك التي لا ترتبط بالعنف بالضرورة، بل تستخدم أساليب أخرى مثل وسائل الإعلام والتلويح بالقوة؛ فهو في النهاية يجعلك تفكر كما يريد، ويحصل منك على ما يريد، وفي حالة فشله لا يتورع عن استخدام أسلوب العنف المباشر. ( العرب اليوم )