نهائي كأس أمم الثورات
يعلو صوت أطفالنا بالبكاء حين نمنعهم لعبة مفضلة يريدونها حتى وإن لم نراها مناسبة لهم، وحكمة الشيطان في مثل هذا الموقف تقول أن نعطيهم اللعبة شرط أن ننزع منها البطارية قبلاً ودون علمهم، فنكون بذلك قد نزعنا منها الخاصية التي جعلتهم يبكون لأجلها، وعندها سيقومون بإلقائها أرضاً بأيديهم ذاتها التي طالبت بها، المهم في الأمر لدى الكبار أن يكف صغارهم عن البكاء، وكذلك يفعلون.
لا يلتفت أحد في هذه الآونة إلى الأسباب التي دفعت الشعوب إلى ثقب واحد وتدفقت منه جميعاً إلى مطلب واحد ألا وهو التغيير، فليس مهماً إن كانت الدوافع صادقة أم مفتعلة، بقدر ما يهم إلى أين ستلقي الحركات الشعبية المنظمة منها وغير المنظمة مرساتها، فهم يتهافتون الآن على شواطئ جديدة لم يصلوها سابقاً، وذلك من باب حب الاكتشاف لأنظمة حاكمة لا يملّوها كما سابقتها.
لا يبدو أن تسلم الإسلاميين لرداء الحكم أمر لا يمكن التحكم فيه لغيرهم سواء أكان في مصر أو تونس وربما سوريا، فـ "الثروات" الشعبية التي بدت هنا وهناك لم تكن بحاجة الإسلام حاكماً وإنما بحاجة الإسلاميين للحكم، أيِّ حكم، وذاك ما يجعل من "الثروات الشعبية" بيئة جيدة لتكاثر الأهداف غير النقية فيها وإن لم تكن منها بداية، فمطالب الإصلاح كانت مشروعة لهم ومعترف بها دولياً، وبعد فإن الأنظمة الحاكمة الجديدة وإن جاءت على هوى الشعوب ولم تأت على هوى القوى العظمى العالمية، فإنها عند التطبيق - بوجود البديل الإسلامي - سيحزن بها المستبشر ويفرح بها المغتم، وهو ما أُدرِك في حينها أمريكياً وبريطانياً ولم يُدرَك بَعدُ "ثورجياً"، وهو ذاته ما طاب للكثيرين أن يسموه مؤامرة !.
ما زادت أحداث العامين الفائتين على أن وضعت الإسلاميين وحكمهم بين حدين لا فكاك منهما:
- لا يملك الإسلاميون من الحنكة السياسية ما يجعلهم أنداداً للأنظمة السابقة، بفعل إقصائهم لعقود طويلة عن حلبة العمل السياسي الفعلي، فإنهم وإن احترفوا العمل المنظم على مستوى جماعاتهم، فإنه لم يُسمح لهم بإخراج ما في بوتقتهم ومشاركته مع سواهم، ومن الأمثلة على ذلك مساندتهم لحكم رموز سابقين ومنهم جمال عبد الناصر، وإذ لم يطل هذا التناغم عقب ثورة 23 يوليو 1952 إلا بضع سنين، ليُعتبر الإخوان المسلمين من أشد المناوئين لنظام عبد الناصر.
- الشعوب التي اختارتهم لم تنس بعد الصورة المعتمة التي تحتفظ بها عن أولئك الإسلاميين، والتي تم ترسيخها بشتى الوسائل وخاصة الإعلام، فالمسلم صاحب الذقن الطويلة والثياب "المهلهلة" هو القاتل والفظ والخارج عن القانون، الذي لو رأيته "لوليت منه فراراً ولملئت منه رعباً"، والذي يصلح لكل الاتهامات التي توجه إليه من قبل الحكومات ورجالها، تلك الصورة التي ستعود إلى قمة وضوحها مع أول ظهور للعراقيل الموجودة أو المعدّة للقامة الإسلامية الحاكمة، ولعل خير مثال على ذلك هو المطالب الشعبية لإيجاد الفردوس المنتظرة في أوطانهم والتي لم تمنح الأنظمة الحاكمة الجديدة وقتاً كافياً لتحقيقها، فما انتظرته الشعوب على مدى ثلاثين وأربعين عاماً من الأنظمة السابقة وجب على الأنظمة الحالية – في نظرهم- إنجازه خلال أشهر على أبعد تقدير.
الخيارات أمام الإسلاميين مريرة بمحدوديتها حتى لتبدو أقل من أن تعد، فإما أن يتمسكوا بحقهم في الحكم، فيصبحوا "ديكتاتوريين جدد" فضلاً عن كونهم إرهابيين سابقاً، وإما أن يتخلوا عن ذلك الحق فيصبحوا خانعين غير مقنعين ولا مقتنعين، والمصيدة في الحالتين "شغّالة"، وما جرى مع حركة حماس عقب الانتخابات التشريعية عام 2006 ولا زال يجري هو المثال المفصل لما جرى وسيجري في تونس ومصر وغيرهما.
السؤال الآن : هل حكم الإسلاميين الحالي هو الحكم الإسلامي ؟
الإجابة في حكم الحاكم لا في الحاكم نفسه، فهو إن كان قد حكم بالإسلام فحُكمه يسمي نفسه بفعله، وإن لم يكن فلا حاجة لأن يسميه بما لا يحقق سبب التسمية، فإذا حكم الإسلامي بحكم الإسلام التام أوجد لنفسه "الخيار المفقود"، وإلا فلا يلومنّ الداني والقاصي على ظنهم به أو فعلهم، فالمستبد على الحق خير من المهادن على نصف الحق، والركون إلى نصف الحق هو الباطل كاملاً، ورب الإسلام الحق أحق أن يخشوه !!