على هذه الأرض..!

استأذن الصديق الباقي محمود درويش لأغير مفردة في واحدة من اشهر قصائده التي تجترها فضائيات ببغاغوية ويعلكها هواة ادب ويفرغها من جوهرها ساسة لا مكان للشعر في عقولهم وقلوبهم وضمائرهم، هي على هذه الارض ما يستحق الحياة.. بل ما يستحق الممات، لان محمود لو بقي حيا الاعوام الاربعة الاخيرة لربما غيّرها بنفسه، لانه كان سيرى ويسمع ما نرى ونسمع مع عبدالله بن محمد يا قوم آه لو اني شجرة فتعُضَد!
فإبريل القصيدة لا يتردد حنينا الى الخريف بل خوفا من صيف يطلق الافاعي والعقارب من الجحور، واول الحب هو اخر الكراهية في زمن الجحود حيث لا تأمن الام ابنها على ثديها.
على هذه الارض بمختلف خطوط طولها وعرضها ما يستحق الممات، لان الرجل نفسه قال عندما رأى كزرقاء اليمامة او ازرق الشام ما سيحدث:
«ندعو لاندلس .. ان حُوصِرَت حلب»
وقال:
«سقط القناع عن القناع
عرب وباعوا روحهم
عرب وباعوا»
وقال: كلما آخيت عاصمة رقني بالحقيبة وقال ما اكبر الفكرة ما اصغر الدولة وقال لاحمد العربي الذي قفز بعد ان خلع جسده من تل الزعتر الى حيفا:
انت العبد والمعبود والمعبد متى تشهد .
على هذه الارض التي تحولت الى كمين بسعة قارة ما يستحق الممات لان الحياة يا صاحبي في مكان اخر وكذلك الشعر.
فمسرحيات اسخيلوس تعبث بها القطط في الحاويات، وفائض الورد في غزة مضغته الحمير ثم وجدته مرا فعفت عنه، والطريق بالتأكيد اجمل من الوصول.
على هذه الارض التي لم تعد امينة على اقدام اهلها وتستدرجهم الى المقابر ما يستحق الممات.
ألم تقل ذات انفعال متوسطي بنبرة اغريقية: ان التشابه للرمال وانت للازرق؟
فالاحياء على هذه الارض لم يعودوا يحسدون من يهجعون او يسهرون مثلك في باطنها لان الحياة اختصرت في ثلاثة اقانيم هي الرغيف والعرق الذي يبلله والدم الذي يغمس فيه، اما الورد فلا مكان له في هذا اليباب، لهذا تنبأت قبل سفرك بذلك، وتقشفت على طريقتك وسميت ديوانك «ورد اقل»..
الان لا ورد الا ما تبقى على اغصان القصائد، وتميم بن مقبل الذي كنت تحبه خيب القدر ظنه فلم يتحول الى حجر، سواء في قبضة طفل او في جدار سنمار او في حذاء تمثال.
لقد رمت القابلة المأجورة الطفل وابقت المشيمة، والرياح التي فتحنا لها النوافذ خلعت البيوت من اسسها وجذورها.
لا احسدك بل اغبطك كما قلت لي مرارا على الموت، فمنذ بشرت بالحياة على هذه الارض والدم اغزر من الماء وارخض منه، اما الفارق اللفظي بين الشعر والشعير فقد تولى حذفه دهاقنة الاستشراق المسلح، اما السلاحف التي طارت بسرعة الصوت فهي التي ستأتينا بما لم نزودها من اخبار! ( الدستور )