تطوير التعليم والتدريب المهني والتقني خطوة أساسية على طريق التحول الصناعي
لا ريب ان من اهم اسباب التحول الصناعي كان وما يزال التقدم العلمي والتقني ؛ فهو يؤدي إلى ابتكار ادوات عمل جديدة، واكتشاف تقنيات حديثة تتجاوز الصناعة التقليدية اليدوية إلى الصناعات الآلية ، كما يؤدي إلى اكتشاف طرق عمل وتصنيع حديثة ، واساليب تنظيم عمل المؤسسات وتطويره وادارته، وذلك بالتركيز على البحث في الانشطة الصناعية؛ لذلك فان اعطاء الاولوية للتعليم والتدريب المهني والتقني وتطويره ،ومساواته او( تقديمه ) على التعليم النظري ؛ باعتباره نواة اساسية ومهمة لا بد منها للتقدم والتحول الصناعي ،والنمو الاقتصادي والازدهار الثقافي وتحسين مستوى المعيشة،لانه احد المحركات الاساسية للتنمية الصناعية والاقتصادية ؛ فهو الذي يرفد سوق العمل بكوادر وطنية مدربة، ولان له اهمية كبرى في مواكبة التقدم والتطور التقني في مجالات الصناعة، وتطوير صناعة الآلآت والمعدات الحديثة وابتكارها، وبخاصة فان التطوير الصناعي هو اهم تغيير يحرك التنمية الاقتصادية ويؤدي إلى الازدهار ، ويدعم التحول من مرحلة الصناعة التقليدية إلى مرحلة استخدام التقنية المتقدمة الآلية في التصنيع ، وحتى ينجح برنامح التحول الصناعي؛ لا بد من وجود افراد مؤهلين وذوي قدرات تفكيرية عالية ولديهم استعدادات ابتكارية ، وميول مهنية للتكيف مع التقنيات المستحدثة ، لان نقصهم او ندرتهم تعد معضلة في طريق التحول الصناعي.
اننا بحاجة إلى تخريج طلبة وعمال مهرة وتقنيين ومهندسين متخصصين لبناء اقتصاد مزدهر قائم على التصنيع الوطني ؛ لان الاقتصاد التنافسي الناجح ينمو ويزدهر ويستمر اذا دعم بقدرة القوى العاملة الوطنية على انتاج او تصنيع سلع تتصف بالجودة وانخفاض الاسعار، نحن بحاجة إلى موارد بشرية مؤهلة مزودة بمستوى عال من التعليم والتدريب واعادة التدريب، وفق التطورات المستجدة، مزودين بدرجة عالية من الحماس والصلاحية للتطوير المهني والتقني والتدريب المستمر، نحن بحاجة إلى افراد مهرة لديهم القدرة على الاتصال والابداع وحل المشكلات واتخاذ القرارات، ولديهم قدرة ومرونة في التحول من مهنة الى اخرى، لديهم مهارات استخدام امثل للحاسب الآلي ونظم المعلومات والاتصالات ،والوعي المهني والتقني، ولديهم قدرات لاستكشاف عالم المهن والصناعة واستيعابه ، الذي قد يثير فيهم اهتمامهم ودافعيتهم وتسليحهم بممارسة سلوكات العمل الجيد.
لقد اصبح من الاهمية بمكان ان يصبح العامل الاردني قادرا على مواجهة التحدي المتثل في التكيف واستيعاب احدث التكنلوجيات في مجال الصناعة، وتعزيز النزعة الابداعية لتطلعاته وتطلعات مجتمعة، وضمان مساهمة افراد المجتمع في بناء اقتصاد وطني يقوم على الصناعة المتجددة والتنمية المستدامة؛ باعتباره الطريق الآمن لمواجهة التحديات ووضع الاردن على خريطة الدول الصناعية الحديثة، انه لا بد من زيادة حصة الطلبة الملتحقين بالتعليم والتدريب المهني والتقني كنسبة مئوية من اجمالي الالتحاق بالمدارس الثانوية، وبالتالي زيادة عدد المدارس والمراكز والمعاهد والكليات المهنية والتقنية، ان نقطة الانطلاق لتطوير ونقل التعليم والتدريب المهني والتقني نقلة نوعية، تتمثل في وضع سياسة استراتيجية تعليمية مهنية عالية رئيسة مشدد عليها ، وعلينا ان ننطلق في هذه السياسة من مقولة عنق الزجاجة، فلا يجوز ان يبقى تصنيف هذا النوع من التعليم في قاع التسلسل الهرمي للتعليم، فلا بد من الاهتمام اللائق به واعتباره غاية في السياسة التعليمية والبرامج التنموية للقوى البشرية وليس وسيلة ، ولا بد من السيطرة على التحديات الرئيسة التي تحد من تقدمه وتطويره، كالتكلفة المالية العالية ،والنظرة الدونية ، والهيمنة على هذه التحديات وتطويعها ، وان ننتقل به من الصورة التقليدية كتدريب حرفي في مراكز محدودة يقيد تطلعات المنتسبين اليه من الطلبة في تطوير ذواتهم ومهاراتهم والتحاقهم بالجامعات؛ حتى يصبح تعليما وتدريبا عاليا مرموقا ذا صبغة معرفية وادراكية عالية ، يتطلب دراسة الرياضيات والعلوم واللغات، وان لا يظل محطة نهائية تقف عندها الطموحات، بل يلاحق طموحات الطلبة وتطلعاتهم للدراسات العليا في معاهد وكليات التعليم العالي والجامعات، حيث يفتقر - في الوقت الحالي- لهذا النوع من التعليم برامج على مستوى الجامعات ،لذلك لابد في تطوير هذا التعليم من فتح المجال امام الطلبة لمواصلة تعليمهم العالي في معاهد وكليات مهنية تقنية تدريبة متخصصة متوسطة وعالية تتناسب وطموحات الطلبة .
ان مجالات التعليم والتدريب المهني والتقني لدينا ذا ت طبيعة معرفية اولية صرفة للغاية ، وعلينا اعادة النظر في كم وكيف المناهج الدراسية لهذا النوع من التعليم ، اذ ان التطور السريع للعلوم والتكنلوجيا في هذا العصر؛ يتطلب تطوير برامج تعليمية تقنية مهنية تتناسب مع متطلبات العصر، ومتطلبات سوق العمل ، وحسن اعداد الطلبة لمواجهة التحديات والتغييرات التكنلوجية المستجدة ، ولتحقيق التنمية المستدامة للاقتصاد الوطني ، فالبرامج والمناهج الدراسية تلعب دورا هاما رئيسا لمواجهة متطلبات التنمية، فلا بد من الارتقاء بمستوى تدريب وتأهيل القوى البشرية المطلوبة، فالنمو السريع في الانشطة الصناعية يزيد الطلب على المهارات المطلوبة ، كما ان التغييرات التكنلوجية السريعة في عملية الانتاج تتطلب تغييرات هامة في المهارات ؛ لذلك لا بد من الارتقاء ببرامج ومناهج هذا النوع من التعليم وتحديثها وفقا للحاجات المتغيرة للصناعات، وتعزيز العقلية المتسمة بالمرونة والاستيعاب التكنلوجي.
ان اعادة صياغة رؤى تطوير التعليم والتدريب المهني والتقني في سياسته ومكانته وبرامجه ومناهجه واولوياته واهميته ؛ تحتاج إلى تضافر اكثر من جهود وزارة التربية والتعليم ، واكثر من جهة واحدة للنهوض به باعتباره قضية وطنية حاسمة لتحقيق التنمية المستدامة واستمرارها ، وللتحول الصناعي الذي يضع الاردن بين دول العالم الصناعي ، فلا بد من تشكيل هيئة وطنية عليا من مختلف الجهات ذات العلاقة لبلورة خطة وطنية ذات استراتيجية طويلة المدى، تتصف بالشمولية والسعة والاحاطة ،بحيث تؤدي إلى تجسيد عملية تعزيز التنمية البشرية ، وتشجيع الرقي التكنلوجي ،والتأسيس لقاعدة صناعية قابلة للنهوض بالاردن،ولا بد من مشاركة واسعة حقيقية فاعلة للقطاع الخاص فهو الفريق الاقوى والاقدر على تحديد الاحتياجات التدريبية اللازمة لرفع مستوى المهارات واعادة التدريب ولديه قدرة على تحديد الخبرات الواجب توافرها في المتعاملين مع التكنلوجيا
لقد آن الاوان لاعادة صياغة وتوجيه منظومة القيم السائدة حول التعليم المهني وبناء ارضية مجتمعية صلبة موافقة عن طيب خاطر ورضى لتخليصه من النظرة الدونية والصورة السلبية المختزنة في ذاكرة المجتمع، وان يحل القبول الطوعي محل النظرة السوداوية والصورة القاتمة السائدة عن التعليم المهني ، بل ويجب ان تشرق شمس هذا التعليم وتعود صورته نقية صافية؛ لانه الخطوة الاولى والرئيسية على طريق التحول الصناعي والازدهار الاقتصادي ليكون للاردن على خريطة العالم الحضاري مكانا وعلى ساحته موقعا . يتأتى ان يكون للتعليم والتدريب المهني والتطبيقي والتقني اهمية بالغة في نظر الناس والمجتمع ؛ ليكون قادرا على اجتذاب النوعية المتميزة من الطلبة،
كما ويجب في اصلاحه وتطويره تدريس اخلاقيات العمل وسلوكات المهن؛ حيث يفتقد كثير من الشباب قيم العمل ومعناه الحقيقي، والجهد الذي ينبغي ان يبذلوه من اجل البقاء في عملهم والاستمرار فيه ،وازالة الصورة السلبية للاعمال المهنية واليدوية، وعلى الجانب الاخر
مطلوب من القائمين على ادارته وتطويره قدر اكبر من المرونة في ادارة مؤسساته ،وجذب النوعية المتميزة من المهندسين المعلمين والحرفيين والمدربين الخبراء والاحتفاظ بهم ،ومراجعة مستمرة لتصميم مقرراته وبرامجه ومناهجه الخاصة ؛ لتواكب متطلبات التحول الصناعي وتمهد له.