مجموعات سرقة الآثار السورية
من المؤكد أنّ المساهمة في تخريب وتشويه آثار وطننا السوري الكبير سببه، في الدرجة الأولى، انعدام أو قلة الوعي الوطني والقومي، ودرجات هذه الوعي عمقًا أو ابتعادًا تتحمل مسؤوليته الدولة بمؤسساتها عامة في الدرجة الأولى، يليها المثقفون فيها البعيدين والقريبين من موقع المسؤولية.
لقد راج في الفترة قبيل الأحداث المؤسفة في الكيان الشامي أفكار حول ابتعاد الآثار عن ثقافتنا وبيئتنا وعدم ارتباطها بتاريخ وطننا باعتبار غالبيتها تعود إلى ما قبل الرسالة الإسلامية المحمدية، وطبعًا كان ذلك من وجهة نظر سلفية دينية (وهّابية)، بالإضافة إلى العديد من الأفكار والموضوعات التي روّج لها معتنقو هذا الفكر الظلامي والتي لا تمتّ من قريب أو بعيد لديننا وثقافتنا وبيئتنا بصِلة. وللأسف وجدت هذه الأفكار ومروجوها طريقًا وبيئة حاضنة في العديد من المناطق في بلدنا، في الوقت الذي غابت عن هذه المناطق الدولة (بكلّ جدارة) اجتماعيًا وثقافيًا وعمرانيًا، حيث لعبت هذه المناطق دورًا (مميزًا) في الأحداث الحالية.
إنّ هذه الآثار والكنوز التاريخية هي أكثر ما يجمع ويربط ويعزّز الانتماء الوطني لأفراد المجتمع، خصوصًا أنها تعود لفترات زمنية مختلفة وتعدّ الأقدم في العالم، حيث جمعت شعبنا تحت راية واحدة هي راية المدنية الأولى، والتجديد والاستمرارية، راية الخصب الفكري والعلمي في شتى فروعه. هذه الراية التي انطلقت عبر أرجاء الهلال السوري الخصيب من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله لتتعدى حدوده إلى مدن حوض المتوسط والعالم.
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن سرقة الكنوز التاريخية ونهب متاحف بلدنا، وتضاربت الروايات حول كيفية نهب وسرقة هذه الكنوز، ومن وراء ذلك. وبالرغم من تعدد المقالات حول هذا الموضوع وفي شتى الصحف، المحلية والخارجية، إلا أنّ أحدًا لم يوجه إصبع الاتّهام إلى أحد بشكل واضح، باستثناء القول إنهم عصابات آثار وتجّار آثار، بالرغم من إشارة البعض وبخاصة الصحف الأجنبية إلى وجود مجموعات منظمة متخصّصة، وهذا ما أكده رئيس الوزراء السابق عادل سفر حول دخول تكنولوجيا متطوّرة لسرقة المخطوطات والآثار والكنوز بالإضافة إلى العديد من محفوظات مؤسسات الدولة والأرشيف الخاص بالوزارات الهامة، علمًا أنّ ذلك يتم بمساعدة الأقمار الصناعية حول تحديد المراكز والمواقع بدقة عالية.
في الواقع هناك ثلاث مجموعات مشتركة ومستفيدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من سرقة هذا التاريخ، وهذه المجموعات تختلف باختلاف ذهنيتها وهدفها النهائي لهذه العمليات. المجموعة الأولى: وهي المستفيدة ماديًا من هذه السرقات وهي أحطّ تلك المجموعات لأنها تخون وطنها وتسمح بانتهاك تراثه وكنوزه ومحو تاريخه مقابل أجور مالية. المجموعة الثانية: وهي المستفيدة (دينيًا) وهي المجموعة السلفية الدينية التي تروّج أنّ هذه الآثار لا تمت للإسلام المحمدي بأي صلة، فهي عبارة عن أصنام يجب تحطيمها والتخلص منها وهدمها كي لا يعمد الناس إلى عبادتها. وهذه طبعًا تعاليم محمد بن عبد الوهاب السعودي. يمكننا ملاحظة ذلك سابقًا في أفغانستان من خلال تدمير تماثيل بوذا من قِبَل حركة طالبان، ونشاهد ذلك حديثًا في تونس بعد استلام حزب النهضة المتديّن للسلطة، ومباشرة هدم بعض التراث التونسي من قبل أتباعه، كذلك ما حصل سابقًا وحاليًا في السعودية من تدمير وتشويه للأضرحة والمساجد المرتبطة بالرسول الكريم محمد وسلالته (جريدة الأخبار اللبنانية 28 – 29 / 1 / 2013)، ومؤخرًا في معرّة النعمان حيث تم قطع رأس تمثال أبي العلاء المعري (جريدة الوطن السورية).
هذه المجموعة وهذا الفكر الظلامي التخريبي لا يمت لبيئتنا وديننا بأي صلة، ولكن غياب الوعي الاجتماعي والقومي وعدم الاكتراث لما يحدث داخل مجتمعنا وحولنا من انتشار هذه الثقافة الغريبة والترويج لأفكار مغلوطة وبث ّبرامج تلفزيونية مشبوهة (مسلسلات وغيره) ساعد على نشر هذا الفكر في شامنا السوري كما حدث لبقية الكيانات السياسية في الأمّة السورية، حيث لم تجد هذه الثقافة الغريبة مواجهة فاعلة من قبل أجهزة الدولة المعنية بالإضافة إلى غياب الدور الفاعل لكل من المثقفين ورجالات الفكر والدين المتنوّرين القريبين والبعيدين عن موقع المسؤولية المباشر في الدولة. إنّ هذه المجموعة هي حاليًا المسؤولة عن عمليات التخريب والإرهاب والقتل، وقد وجدت في سرقة هذا التراث وبيعه مصدرًا لتمويلها من سلاح ورواتب (مجلة التايم الأمريكية). وبهذا الشكل تكون المجموعة الثالثة باستغلالها لهؤلاء المغفلين السلفيين الدينيين قد ضربت عصفورين بحجر واحد من ناحية تدمير شامنا السوري من جهة، والاستيلاء على تراثه وكنوزه من جهة أخرى. فمن هي هذه المجموعة الثالثة؟.
المجموعة الثالثة: أخطر المجموعات على الإطلاق لأنها تملك هدفًا ذا بعد تاريخي، ديني، استيطاني، "قومي" و"عنصري"، حيث تسعى لإحلال وتثبيت شراذم بشرية محلّ شعب ذي أصالة وتاريخ، وهذه المجموعة تستغل الانحطاط الأخلاقي للمجموعة الأولى وجهل وغباء وسذاجة المجموعة الثانية، وتغذّي كليهما بالمال والفكر المسموم المسيء للدين والتراث كي تصل لغايتها الكبيرة المستقبلية التي سعت إليها منذ وضعت نظرها على فلسطين وبقية أرجاء الوطن السوري.
هذه المجموعة هي اليهود. نعم اليهود. وما يفعلوه من سرقة الكنوز والآثار في بلادنا ما هو إلا استمرار لخطة وترتيب عملوا عليه قديمًا وما زالوا يعملون عليه حتى وقتنا الحاضر، وخصوصًا في الأزمات التي تصيب كيانات الهلال الخصيب (احتلال فلسطين، غزو العراق، الأحداث الإرهابية في الشام). حيث تبين أنّ الآثار المسروقة من سورية تذهب إلى تل أبيب ولندن والولايات المتحدة الأمريكية (صحيفة الديار اللبنانية). ما يُقدم عليه اليهود هو محاولة تزوير كبيرة للتاريخ، محاولة إثبات وجود تاريخي لهم في منطقتنا ونكران ذلك على الشعوب الأصلية بما يتطابق مع زيف الروايات الدينية التوراتية وأسس الصهيونية. هذه السرقات وهذا التزوير بدأ من فلسطين خلال فترتي الاحتلال التركي والاستعمار البريطاني، واستمر ليمرّ بالعراق إبان الغزو الأمريكي، ليصل إلينا في شامنا الغالي بعد الهمجية الإرهابية العالمية الموجّهة ضده. فبحسب وزير السياحة والآثار العراقي لواء سميسم سرقت القوات الأمريكية والبريطانية أكثر من 80 ألف قطعة أثرية أثناء خروجها، كما نقلت الأرشيف اليهودي كاملاً من قبو داخل دائرة الاستخبارات إلى الولايات المتحدة الأمريكية وسلمته إلى "إسرائيل".
إنّ التزوير اليهودي للتاريخ والجغرافية في عالمنا العربي هو الذي يُدرَّس في الجامعات الغربية ويُعاد نقله إلى جامعاتنا، وللأسف طبعًا. وهذا ما أشار إليه مقال في جريدة تشرين الشامية حول الآثار السورية، حيث أكّدت دكتورة وباحثة آثار سورية (لم تفصح عن اسمها) أنّ البعثات العلمية الأجنبية لا تخضع لأي ضوابط ورقابة، ينقبون دون ترميم، يتوصلون لنتائج ويحملونها ويغادرون دون أي اطلاع ومراقبة ومعرفة ماذا يكتبون. كما أشار المقال إلى دور مشبوه للبعثات في سرقة الآثار. صراحة يمكننا أن نربط هذا الدور المشبوه بما يقوم به اليهود من تزوير للآثار والمواقع لتتطابق مع أحداث التلمود والتوراة. وبالتالي تأكيد قيام دولتهم التاريخية المزعومة في منطقتنا. ولدينا أمثلة سابقة على ذلك ذكرها الأستاذ الدكتور أحمد داوود في كتابه (العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود _ دمشق 1991)، حيث يقول: " في الأردن في العام 1990 عثر على تمثال كبير من الحجر الملحي لامرأة، فافترض أحد المستشرقين الصهاينة أنه تمثال امرأة لوط من أجل تثبيت التزوير الجغرافي الذي افتعلته الصهيونية لأحداث التوراة ..... علمًا أن التاريخ كله لم يشر من قريب أو بعيد إلى أنّ أحدًا صنع تمثالاً لامرأة لوط ....... ثم إنّ مئات بل آلاف التماثيل الفينيقية المصنوعة لنساء عربيات فينيقيات من ذلك الحجر الملحي تملأ السواحل السورية اللبنانية ومتاحفها." يتابع الأستاذ أحمد داوود: "إنّ هذا وذاك يشبه تمامًا ما يجري في مديرية الآثار في سوريا التي تسارع إلى إطلاق أسماء توراتية على المواقع الأثرية بإيحاء من جهات خارجية دون أن تستند في ذلك على أي مستند أثري. بل وقبل أن تبدأ بالحفر والاستكشاف في كثير من الأحيان كما جرى ويجري في تل الكزل الذي يطلقون عليه اسم "سيميرا" العشيرة التوراتية، وجبل النبي مند الذي يطلقون عليه "قادش" وتل المشرفة الذي يطلقون عليه اسم "قطنة" وجرابلس التي يطلقون عليها اسم كركميش .... الخ ".
أخيرًا علينا أن نعي تمامًا أنّ الاهتمام العالمي الكبير والتكنولوجيا المتخصصة المدخلة إلى بلدنا مع احتدام الأزمة وغياب الأمن في العديد من المناطق لخطف ونهب وسرقة كنوزنا وتاريخنا وأرشيفنا يؤكد بما لا يترك مجالاً للشك على أهمية هذا التراث في تعميق وتثبيت جذورنا وتأكيد وجودنا، ماضيًا وحاضرًا ومستقبلاً، ويؤكد على سعي حثيث لفصلنا عن تاريخنا وتقسيمنا إلى مجموعات متنافرة متناحرة.