حين تنطلق الـ«Drones» في الأجواء السورية..

التقديرات حول أعداد المقاتلين المنضوين في إطار “جبهة النصرة” متفاوتة ولا يمكن التأكد من صحة أيٍ منها، وهي تتراوح عادة ما بين 10 – 20 ألف مقاتل، يتوزعون على عدد كبير من “الكتائب” و”السرايا”، ويتكثف وجودهم في أرياف حلب وإدلب، وقد وصولوا مؤخراً إلى مشارف دمشق وأريافها..بضعة آلاف منهم، من العرب والأجانب، أما البقية فسوريون التحقوا بالنصرة أو كانوا من مؤسسيها.
بالمعنى الرقمي (الرياضياتي)، هؤلاء يشكلون نسبة لا تذكر قياساً بأعداد مسلحي المعارضة على اختلاف مشاربهم..لكن بالمعنى العملياتي (النوعي)، هؤلاء هم رأس حربة المعارضة السورية المسلحة، وهو الرواد إلى معاركها الكبرى والاستراتيجية، ما يعني أن دور “النصرة” لا يقاس بعديد مقاتليها، بل بوزنها في ميادين القتال وساحاته.
الولايات المتحدة، كانت سبّاقة لإعلان “النصرة” منظمة إرهابية، وإدراجها في لوائحها السوداء..أما أوروبا فما زالت منقسمة حيال هذا الأمر، بفعل الموقفين البريطاني والفرنسي، اللذين يؤثران إرجاء الأمر إلى ما بعد “الحسم العسكري” في سوريا، فالنصرة مطلوبة للإطاحة بالأسد، وبعد ذلك، سيُطلب إلى المعارضات الأخرى والجيش الحر، الذي والتي يجري تسليحهما وتدريبهما للانقضاض على “النصرة” واستئصالها..في مقاربة ساذجة لم تتعلم درساً واحداً، لا من أفغانستان ولا من العراق.
صعود “النصرة” في سوريا، إلى جانب عدد لا يحصى من المنظمات الأصولية، الشقيقة والحليفة، كان عاملاً محركاً لتغير الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، والذي استمسك بلاءات لم يحد عنها، أهمها ثلاث: لا للتدخل العسكري في الأزمة السورية..لا لتسليح المعارضة بصورة مباشرة..لا لتحويل سوريا إلى ملاذ آمن للقاعدة وتفرعاتها، تحت أي ظرف وبأي ثمن.
لكن تطور قدرة “النصرة” وتنامي نفوذها، يدفع اليوم الإدارة الأمريكية، إلى الاقتراب أكثر فإكثر من القراءة الروسية من “بيان جنيف”، حتى إن جون كيري لم يمانع في “منح” الأسد مقعدا على مائدة الحوار الوطني والحل السياسي الذي تتحدث عن واشنطن، وهو تطور لن تقلل من شأنه، محاولات واشنطن احتواء ردات الفعل الغاضبة التي أثارها “زلزال كيري”.
على مسار آخر موازٍ، حفز النمو المتسارع لنفوذ “النصرة” وانتشارها واشنطن إلى التفكير ببدائل “بعيدة المدى” للتعامل مع خطر “النصرة” وتهديداتها..فالمعلومات تتحدث عن قيام المخابرات الأمريكية بجهد موصول لجمع أوسع المعلومات وأدقها عن التنظيم وهيكليته وكتائبه وكوادره وقيادته ومخازن أسلحته، في خطوة قد تفتح الطريق للجوء إلى استراتيجية الـ”Drones”، أي استخدام الطائرات من دون طيّار، التي باتت استراتيجية الولايات المتحدة الرئيسة في مواجهة القاعدة في اليمن وأفريقيا وأفغانستان والباكستان، وهو استراتيجية نجحت في توجيه ضربات موجعة للقاعدة، رغم الجدل الذي تثيره لجهة التزام القانون وانتهاك السيادة والمقامرة بأرواح مدنيين أبرياء.
الأجواء السورية مليئة هذه الأيام بختلف طرازات طائرات الميغ والسوخوي و”ياك – 130” المعدلة للاستخدام المزدوح (التدريب والقتال)، كما أن هذه الأجواء تعج بالمروحيات المقاتلة التي لا تكف عن العمل ضد معاقل المسلحين والمعارضة في مختلف المناطق السورية..وعمّا قريب سيقتحم هذه الأجواء طرازات جديدة من “الطائرات من دون طيّار”، ستقوم بمهمة مطاردة النصرة وملاحقة مقاتليها، وقد لا يطول الوقت قبل أن تدخل “الدرون” الخدمة في المجال الجوي السوري.
ليست لواشنطن مشكلة في الحصول على “تسهيلات لوجستية” لاستخدام هذا السلاح في الحرب على “الإرهاب” المنطلق من سوريا..سوريا “مزنرة” من جهاتها الأربع، بالقواعد والتسهيلات التي بمقدور واشنطن اللجوء إليها واستخدامها عندما تقرر ذلك، تماماً مثلما كان عليه الحال في اليمن، حيث تنطلق الطائرات من قواعدها في البحر وجنوب السعودية لتنفيذ أهدافها القاتلة في طول البلاد اليمنية وعرضها.
في بداية الثورة السورية، راهن معارضون على سلاح الجو الأمريكي لحسم المعركة مع نظام الأسد..طاش رهان المراهنين، ومع بدء العام الثالث للثورة، ترتفع وتيرة التكهنات باستخدام سلاح الجو الأمريكي في سوريا، ولكن ضد “النصرة” هذه المرة، أي ضد قسم من المعارضة السورية المسلحة، فأية سخرية للقدر هي هذه؟!.
وتستكمل “سخرية القدر” فصولها التراجيكوميدية، إذا ما أمكن للنصرة أن تسقط بالصورايخ القطرية والتركية والفرنسية والبريطانية، طائرات واشنطن من دون الطيّار..فباريس ولندن، وقبلهما الدوحة والرياض وأنقرة، تعهدت من قبل، وبدأت منذ زمن، بنقل أسلحة متطورة مضادة للطائرات للمعارضة السورية..وبرغم كل حديث عن “الأيدي الصحيحية والأيدي الخطأ”، فإن أحداً لن يكون بمقدوره أن يجزم بأن السلاح الذي يصل اليوم للجيش الحر أو غيره من فصائل المعارضة، لن ينتقل صبيحة اليوم التالي لـ”الأيدي الخطأ” سواء بفعل صلات القرابة الإيديولوجية بين أطراف كثيرة من المعارضة أو بسبب قدرة النصرة على اختراق فصائل أخرى وفي مواقع قيادية كما تقول التسريبات والمعلومات، أو بفعل ديناميكيات “البازار” السوري التي تجعل من أي سلاح مهما بلغت درجة تطوره وتعقيده، سلعة تباع وتشترى في السوق، وتؤول في نهاية المطاف، لمن لديه الحاجة، وبيده المال والخبرة “التفاوضية”. ( الدستور )