«عبدة الشيطان» : نقطة نظام

تم نشره الأحد 17 آذار / مارس 2013 03:11 صباحاً
«عبدة الشيطان» : نقطة نظام
حسين الرواشدة

أسوأ ما يمكن ان نفعله تجاه هؤلاء الشباب الذين تسرعنا في اتهامهم “بعبادة الشيطان” هو ان نأخذهم بجريرة “المزاعم” والاشاعات فنبادر الى ادانتهم ومعاقبتهم واعلان البراءة منهم، وربما اصدار الفتاوى بقتلهم، صحيح انهم احيلوا الى القضاء ونحن نثق بكلمة العدالة، لكن الصحيح ايضا ان مجتمعنا - كغيره من المجتمعات العربية - يتلقى ما تنشره وسائل الاعلام بالقبول والتصديق، فيصدر احكامه قبل ان تقول العدالة كلمتها، ولك عندئذ ان تتصور كيف تصبح حالة هؤلاء الشباب وسمعتهم، وكيف يمكن ان يقنعوا “الناس” انهم ابرياء.. ومؤمنون بالله تعالى.

لا يخطر في بالي ابدا ان أدافع عمن تورط في “الضلال”، لكن من واجبنا ان نتبين “الحقيقة” وان “نترفق” بالضالين ايضا، وقبل ذلك ان نسأل انفسنا: من اوصل الشباب الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم الى هذه النتيجة، أولسنا مسؤولين جميعا عن انحرافهم: الجامعات التي فصلت العلم عن الاخلاق، وعلوم الدين عن علوم الدنيا تتحمل قسطاً من المسؤولية، والدعاة الذين روجوا للتدين الاستهلاكي والخلاص الفردي ولم يقدموا للشباب “النموذج” الصحيح مسؤولون ايضا، والمجتمع ابتداء من الاسرة التي انشغلت باللهاث خلف الوظائف والاعمال، والمدرسة التي تراجع التعليم فيها وكذلك هيبة المعلم، والاعلام الذي استقال من وظيفته التنويرية وانجر الى نقل “الافكار” بلا تبصر.. هؤلاء كلهم مسؤولون عما انتهى اليه الشباب من ضياع وتيه... وقبل ذلك لا يجوز ان ننسى المناخات السياسية التي دفعت الشباب الى اليأس والاحباط، وعمقت داخلهم الشعور “بالنقص” وسحبتهم من مجال الحرية والابداع الى مجالات “الفراغ” والتبعية والتقليد.

هؤلاء الشباب - إذن - ضحايا لمجتمع لم ينجح في تربيتهم، ولم يفلح في استيعابهم وتحصينهم من الجرائم التي تسللت من وراء الحدود وهم - ايضا - افراز طبيعي لهذا المجتمع بكل ما يتغلغل داخله من تناقضات، واذا كانت ادانة افعالهم مشروعة ومفهومة، فان ادانة الذين اوصلوهم الى هذا الانحراف مطلوبة ايضا، فالذين عبدوا “المال” وسرقوه لا تقل جريمتهم عن الشباب الذين “عبدوا” الشيطان وسرقوا المقدس، اولئك أولى بالغضب وببيانات الاستنكار وبفتاوى “الاخراج من الملة” أما هؤلاء فقد جنحت بهم اهواؤهم الفاسدة الى “التقليد”، ومنعتهم تجاربهم المتواضعة من التفكير بخطورة ما يفعلون.. وبالتالي فهم بحاجة الينا جميعا لكي ندلهم على الصواب، ونجنبهم الوقوع في الرذيلة ونحميهم من “سوء” تفكيرهم وتقديرهم، وهنا لا بد ان نسأل: ألم يتواطأ بعضنا في تمرير ما يلزمه من افكار وتشريعات وملاذات آمنة للمنحرفين، ألم نغمض عيوننا عن مئات “الملاهي” ودور الرذيلة التي انتشرت في مدننا بلا رقيب، ألم نقصر في فتح حوارات مع الشباب التائهين نأخذ بيدهم الى طريق النور: أين كان علماؤنا طيلة هذا الوقت الذي تصاعدت فيه دعوات الانحلال وممارسات الفاحشة، اين كانت منابرنا الدعوية والتعليمية ومؤسساتنا الدينية.

أخشى ما أخشاه ان نستسهل “أخذ” هؤلاء الشباب الى المحاكمة والمعاقبة، والادانة والويل والبثور، وان ننشغل بقضيتهم عن “جرائم” الذين “عبدوا” ما هو اسوأ من الشيطان، أو ان نوظف ما فعلوه في اطار “الاشتباكات” السياسية، ثم نكتشف بأن بعضهم كانوا ابرياء، او غير مدركين لما فعلوه، وان ما جرى ليس اكثر من “جهالات” يتداولها الصغار في جامعاتنا التي جف فيها العلم وتراجعت فيها الاخلاق.. وعندئذ لا ندري كيف سنقنع هؤلاء بالعودة الى الايمان، وكيف سندفعهم الى التصالح مع مجتمع قابلهم الاساءة بالاساءة، بدل الاساءة بالعفو والدعاء والدعاء بالمغفرة والدفع نحو التوبة والانابة.

كل ما اتمناه، ان ندقق في كلام آباء واجهات هؤلاء الشباب وان لا نأخذهم بجريرة ما سمعناه، فأمامنا ما زال المجال مفتوحاً لمعرفة ما حدث، سواء من ادارة الجامعة او غيرها من الجهات المسؤولة.. وبعد ان نفهم ما جرى لا بد ان نبحث عن السبب، وان نتعهد لمن يثبت اصابته بالمرض من شبابنا الحيارى بالمعالجة لا بالمعاقبة. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات