أبعد من اليأس!!

نادراً ما تحتشد عدة حالات نفسية في فرد أو شعب، لكن العرب حققوا مثل هذه المعجزة، فالتحالف الآن بين الشيزوفرينيا وحالة الانكار والفكرة المتسلطة أو ما يسمى الاعتقاد الخاطىء.
فهم إذ يلعنون الغرب وحضارته وفي المقدمة الولايات المتحدة يسبحون بفضائله على مدار الساعة، ويقارفون كل ما هو قبيح في تصورهم بذلك الجيل النائي، يعتقدون ان الغرب سبب كل مصائبهم، لكنهم ما ان يمرضوا ويستعصي الداء حتى يقبلوا أعتاب مستشفياته، والمتفوق منهم أو من يظن ذلك، يرى في جامعات اوروبا وامريكا القبلة الاكاديمية التي تجترح الآفاق والمعجزات معاً.
وإذا كانت الشيزوفرينيا قد عرفت ولو باختزال فان حالة الانكار التي نسميها احياناً المكابرة لا تحظى بهذا الوضوح النسبي.
يتلخص الانكار في تكذيب الحقائق حتى لو كانت تُرى بالعين المجردة وتلمس بالاصابع انها البلوغ بما يسمى التفكير الرغائبي او «الوشفول ثنكينك» الى الاقاصي، بحيث لا يرى المصاب غير ما يريد رؤيته ولا يسمع غير صدى صوته.
ولو اخذنا مثالاً سياسياً واحداً هو الموقف الامريكي المقدس من اسرائيل والذي يعبر عنه كل نزلاء البيت الابيض من مختلف الاسماء والالوان لوجدنا ان هناك رفضاً لتصديق ما يقال.
تماما كما ان الانسان الضعيف والاشبه برهينة يرى في بعض مواقف سادته انها دعابة وذلك كي يسهل عليه ابتلاعها وان كان هضمها أعسر من هضم الحصى.
يقول الرئيس الامريكي بملء الفم إن شئتم الفصحى وبعظمة لسانه ان شئتم العامية انه وبلاده مع اسرائيل في السراء والضراء، وان أمنها من أمن الأم الرؤوم في واشنطن، وان كل ما اقترفته وسوف تقترفه من جرائم ومنها ما يشمل الغزو المتكرر وتدمير البنى التحتية وإذلال البنى الفوقية وتكسير عظام الاطفال هو من باب الدفاع عن النفس، وهذا دفاع مشروع يوضع الدولار والسولار والفيتو والفانتوم في خدمته، وتتجسد حالة الانكار في النطاق العربي بعدم تصديق هذا الكلام رغم انه كلام سرايا وليس كلام قرايا كما يقول الناس في بلادنا.
تتفاقم حالة الانكار ايضا لتشمل كل ما يبث من صور وتقارير عاجلة واحصاءات عن الوضع الصحي او القومي للقدس، وكأن صور الاشعة هذه أخذت لمدينة في الواق واق، أو في قارة اطلانطس وتأتي تقارير التنمية او بمعنى أدق الانيميا العلمية والثقافية والصحية وحتى العسكرية لتواجه بانكار مماثل وكأن المقصود بها عرب العصر العباسي في فصله الختامي.
إن كل اطباء العالم وفي مقدمتهم أبقراط قد يصابون بالجنون وهم يرون مرضى مزهوين بأمراضهم، يربونها كاللحى ويرعونها ويرتجفون إذا لاح لهم أنها قابلة للشفاء..
لهذا سأضيف مرضاً خامساً من معجم السايكولوجيا هو الماسوشية القومية وهي التلذذ بالالم واستعذاب العذاب والبحث عن اسباب لهجاء الذات وفي حالة عدم وجودها يتم اختراعها على الفور، فاليأس ليس نهاية المطاف، فقد يليه اتهام أي كائن بأنه لا يزال على قيد رشده وهويته وذاكرته بأنه مارق أو بعير أجرب يجب استبعاده من القافلة التي غالباً ما يقودها حمار! ( الدستور )