مشروع شمس 1

دشّن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية العاملة في العالم، في صحراء إمارة "أبو ظبي" تحت اسم مشروع "شمس 1"، الذي بلغت كلفته (600) مليون دولار، ومن المفترض أن يؤمّن تغذية كهربائية لعشرين ألف منزل.

ورغم أنّ دولة الإمارات تُعدّ من أغنى دول العالم في مجال استخراج النفط وتصديره، وتعد إمارة أبو ظبي تحديداً الإمارة الأكثر غنى، حيث تحوي كمية كبيرة من الاحتياطي النفطي، إلاّ أنّها وضعت خطة لتنويع مصادر الطاقة ولجأت إلى الطاقة المتجددة حيث تهدف إلى تأمين 7% من حاجياتها في مجال الطاقة عبر مصادر متجددة بحلول عام 2020م.

خطوة أبو ظبي تعد خطوة رائدة في الاتجاه الصحيح، وتعبّر عن اتجاه عملي متقدم على الصعيد الاستراتيجي، وتأتي في سياق استثمار الفائض النقدي الكبير الناتج عن ارتفاع أسعار النفط لإيجاد بدائل مستقبلية لمصادر الطاقة، في ظلّ توقعات نضوب النفط خلال (50) عاماً القادمة، ممّا يحتّم اللجوء إلى التفكير بعيد المدى في ضرورة تأمين حاجة الأجيال القادمة من الطاقة.

هذا المشروع الإماراتي الاستراتيجي يُعدّ نموذجاً متميزاً لجميع الدول العربية في عمليّة التحول الحقيقي من الاعتماد الكامل على النفط ،إلى تنويع مصادر الطاقة خاصة في مجال الطاقة المتجددة وخصوصاً الطاقة الشمسية التي تعد الدول العربية من أفضل الأماكن على مستوى الكرة الأرضية في توافر هذا المصدر، في ظلّ تطور التقنيات العالمية في هذه المجالات،إضافة إلى البعد الاستراتيجي العميق في ضرورة تعدد مصادر الإنتاج، إذ انّ الفائض النقدي ينبغي استثماره في البحث عن ايجاد المشاريع الإنتاجية الجديدة؛ لضمان المستقبل الاقتصادي الآمن.

كان من الأولى لدول عربية أخرى مثل الأردن أن تكون سباقة لتدشين مثل هذه المشاريع الرائدة في مجال الطاقة الشمسية وايجاد مصادر الطاقة المتجددة بوجهٍ عام؛ وذلك للحاجة الماسة في ظلّ الفقر المدقع وعدم امتلاك النفط، وتحمّل كلفة النفط الباهظة والمرهقة لموازنة الدولة بما يعادل النصف تقريباً في ظلّ ارتفاع أسعار النفط بشكلٍ جنونيّ، التي تقدر بـ (3.5) مليار دينار وزيادة.

لماذا تكتفي الحكومات الأردنية بالجعجعة ولا تقترب من الإقدام الجريء على تدشين مثل هذه المحطات؟ ولماذا التأخر في هذه المشاريع رغم كثرة النصائح والاقتراحات التي قدمت منذ سنوات؟ ومع ذلك تتقن هدر الوقت وتضييع العمر في تدبيج العبارات والخطابات البليغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع!!، ونحن نعلم أنّ "هبشة" واحدة من "هبشات" الفساد كفيلة بتمويل هذه المحطة وإنشائها!! فمشروع شمس (1) الإماراتي كلف (600) مليون دولار، أي حوالي (420) مليون دينار أردني، وهي تساوي مبلغاً من الفوسفات المهدور في أحد مسارب الفساد فيها.

إنّ إنجاز هذا المشروع الإماراتي، يجعل الشعب الأردني في موضع المحاسبة العسيرة للحكومة الأردنية التي استسهلت اللجوء إلى جيوب المواطنين، وعدم الجدية في ايجاد المشاريع القادرة على التخفيف عن كاهل المواطنين، والعجز في البحث عن البدائل، إذ أنّها ليست ضرباً من الخيال والتحليق في المثاليات، ونحن نرى البدائل العمليّة حقيقة واقعة في دول الجوار.

نشعر بالفخر بهذا المشروع العربي الرائد، وبالقدر نفسه نشعر بالحزن عندنا في الأردن، عندما نشهد معارك التنافس على المقاعد الوزارية والبحث عن المناصب، ولا نشهد التنافس في استثمار طاقات الأردنيين ومقدرات الوطن بطريقة صحيحة، ونشاهد أغلب المتخاصمين لدينا على المكاسب الفردية والمحاصصة والشللية والجهوية ونهب مقدرات الوطن، بعيداً عن حسّ الانتماء الحقيقي للوطن والأمّة، وبعيداً عن التنافس على خدمة المصلحة العامة وخدمة الدولة. ( العرب اليوم )