لا تستخفّوا بالتهديد

التهديد الذي أطلقه شباب 24 آذار بإقامة اعتصام مفتوح على دوار الداخلية، ليس فعلا سياسيا منزوعا من سياق ما يُجرى.
فبعد إدارة الظهر لكل عملية الاصلاح السياسي، بَدْءًا من قانوني الأحزاب والانتخاب، والانتخابات وما جرى فيها، وبالنظر إلى مخرجاتها المحبطة، والحفاظ على خطاب رسمي لا يُسمن ولا يُغني من جوع حول الاصلاح من دون ترجمة فعلية، ومن دون مصارحة ومكاشفة المواطنين، تمنح الحراك الشعبي ذخيرة حيّة بصدقية مطالبه، وبضرورة زيادة الضغط حتى يتحقق ما تم الوعد به منذ سنوات.
في علم كيمياء الشعوب، فإن الصمت في الفترات العجاف أخطر بكثير من النزول إلى الشارع، والاحتجاج، لأن الصمت والضغط يولدان الانفجار، والتنفيس من خلال الهتاف ورفع الشعارات، خاصة ذات السقف العالي، يُخرج الغضب من صدور المحتجين.
حتّى اللّحظة تتعامل الحكومة وأجهزتها باطمئنان شديد مع المسيرات والحراك الشعبي، وتعتقد أنها تحت السيطرة، في قراءة مستعجلة للأرقام المتواضعة التي تخرج في مسيرات الجمعة، لكن هذا الاطمئنان الزائد عن اللزوم لن يصمد كثيرا إذا بقيت أوضاع المواطنين المعيشية تسير من سيّئ إلى أسوأ.
صحيح أن حجم الاحتجاج في تشرين الماضي على رفع الأسعار لم يكن بمستوى الحدث ونسبة الرفع، مع أن الشعارات التي رفعت كانت غير مسبوقة، لكن وعي المواطنين وتقديرهم لأهمية الابتعاد عن الفوضى، وحرصهم على أن لا ينتقل ما يشاهدونه في دول أخرى إلينا، لا يعني أن مساحات التعقُّل ممكنة في كل الظروف.
لست من الذين يتصيّدون للحراك الشعبي، بل من الداعمين لأفكاره ومطالباته، وقلت في أكثر من مرة إن الارتياح الزائد عن اللزوم الذي تظهره الحكومة ورجالاتها في تقويمهم للحراك الشعبي غير مطمئن، ويشي بعقلية غير مرنة واهمة، مثلما كان غيرها واهماً، بأن ما يحدث في بلدان أخرى لا يمكن أن يحدث عندنا، كما لا يجوز اختلاف التقويم لحجم وقوة الحراك الشعبي ومن يقف وراءه، بحيث ينعكس ذلك كردة فعل باردة متجاوزة درجات الاطمئنان التي ترى أن الحراك الشعبي دائماً تحت السيطرة، ولن يتجاوز المعايير الموضوعة للوصفة الأردنية لأي اعتصام أو مسيرة أو تجمّع.
تبقى قضية وحدة الحراكات الشعبية مثلبة في عنق التكتيكات الفردية التي تتقن جماعة الإخوان المسلمين اللّعب فيها، ولا يختلف اثنان أن ما يسمى شباب 24 آذار هم في حقيقتهم كوادر وعناصر الجماعة في العاصمة والمحافظات، وبعض الحراكات الأخرى القريبة منهم والمحسوبة عليهم، وهذا استحقاق شعبي على الجماعة أن تدفع باتجاه توحيد كل الحراكات الشعبية في البلاد للدفع بعملية المطالبة بالاصلاح إلى الأمام أكثر، وبزخم شعبي واسع وموحَّد. ( العرب اليوم )