العرب وموسوعة «غينس»

ودع العرب القرن العشرين على طريقتهم فقد دخلوا الى موسوعة غينس من خلال اطول ساندويتش، واكبر طبق حمص واضخم صينية كنافة واطول سارية علم، لكن ما ان بدأ هذا القرن حتى تغير المشهد.
فهم الان يدخلون الى سائر الموسوعات وليس غينس فقط بعدد القتلى. فهم حسب الارقام المعلنة وهي على الارجح غير دقيقة فقدوا في العراق خلال العشر سنوات الماضية ما يقارب المئتي الف. ويفقدون في سوريا اكثر من مئة شخص يوميا، هكذا اذن يدخلون هذه المرة بالدم وليس بالحمص والكنافة والفول وهكذا تعود تلك الايام الخوالي التي كانوا يسمونها ايام العرب، لكن بما يتناغم وتحديث اساليب القتل وادوات التعذيب. فمن قتله العرب من العرب مئات الاضعاف من الذين قتلهم الغزاة، ليس فقط لان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة، بل لان التسامح مع الاعداء عفو عند المقدرة، لكن اين هي هذه المقدرة التي تؤدي الى العفو؟
انها مقدرة من طراز غير مسبوق او معروف في تاريخ الامم، فهي مقدرة على الكذب المتبادل والنفاق المزدوج بين الحاكم والمحكوم وهي مقدرة فائقة على خداع الذات وايهامها باهمية اشبه بصك بلا اي رصيد، ما دامت نظرية الحك المتبادل والتي استقرأها علماء الاحياء من الفئران هي الثقافة المقررة كبديل للثقافات كلها، وهي ايضا المقدرة على التبرير حتى لو تطلب ذلك قلب ظهر المجن في اقل من دقيقة، وهي المقدرة الفائقة على ممارسة فن النميمة سياسيا واجتماعيا كبديل للمواجهة ونقد الذات.
ولا ندري لماذا يتحول العرب عندما يقاتلون بعضهم الى اساطير في الشجاعة، لكنهم اكرم من حاتم الطائي مع اعدائهم؟
قد تكون سايكولوجيا المغلوب الذي اخلى ذاته وافرغها ليستوطن فيها ظل الغالب، وقد تكون من افراز ثقافة الغزو القديمة حين كانت نمط انتاج، لهذا قرر جاهلي ان يغزو اخاه واسمه بكر لانه لم يجد سواه في تلك الليلة!
الجامعات والمعاهد العربية وكذلك الصناعات والاختراعات لا تدخل الموسوعات الا بالمقلوب ومن الباب الخلفي لانها دائما الادنى ولو صدقنا ابن المقفع الذي شوي كالخروف عقابا على ما اقترف من استنطاق الحيوان لقلنا ان حامل الذكر خير من صاحب الذكر الذميم، لكن هناك بشرا اساؤوا فهم الشهرة وارادوها حتى لو حولتهم الى امثولات .
ان عدد قتل العرب من بعضهم خلال نصف قرن على الاقل كان يكفي لتحرير ارض بسعة شبه القارة الهندية، لكنهم لم يحرروا في الحرب والسلام معا زقاقا واحدا في القدس.
ادخلوا غينس وكل الموسوعات آمنين ما دام قتلاكم من صلبكم ومن بني جلدتكم وما دمتم تلعبون الكرة مع انفسكم امام المرايا لتكتشفوا ان ما سجلتموه من اهداف كان في مرماكم.
فمن سوف يفض هذا الاشتباك بين المنتصر والمهزوم وبين الخيمة والخيمة ما دام اللجوء هو قدر امة لم تعد لاعدائها غير ما استطاعت من خيام.
لقد قالت سلحفاة لاختها التي قلبت على ظهرها جئتك بسرعة البرق، والكارثة ان السلحفاة المقلوبة صدقت ذلك.
فالوهم يجب ان يتحالف طرفان على تحقيقه هما متعوس وخائب رجاء.
فكفى تواطؤا وخداعا للذات لان سيل الدم تجاوز كل الزبى!! ( الدستور )