اولويات مغشوشة!

اذا اردت ان «تفحص» عافيتنا الوطنية ارجو ان تتأمل – فقط- في الاولويات التي ادرجناها على «اجندة» حواراتنا، سواء في البرلمان او في وسائل الاعلام، وعندها ستدرك لا ريب ما فعلناه بأنفسنا وما يريد البعض ان يشغلنا فيه، وما انتهت اليه احلام الاعوام المنصرمة من كوابيس مفزعة.
خذ –مثلا- قضية «عبدة الشيطان» هذه؛ التي استحوذت على اهتمامنا طيلة الاسبوع، حتى ان اعضاء في مجلس النواب طلبوا عقد جلسة عامة لمناقشة الموضوع، ترى هل تستحق مثل هذه القضية التي لا نعرف كيف جرى «تصديرها» الينا مثل هذه النقاشات والمداولات والردود والفتاوى؟! الم يكن بوسع ادارة الجامعة التي تردد ان خمسة شباب ضبطوا فيها ان تحقق في المسألة وتحسمها؟ علما بأنها ليست المرة الاولى التي تتعرض فيها الجامعة لهذه المشكلة، اذ ذكر لي بعض الشهود هناك ان ادارة الجامعة «غضت» الطرف اكثر من مرة عن مثل هذه السلوكيات وكان يمكن ان تتعامل معها منذ اللحظة الاولى وان «تتجاوزها» بقليل من الاجراءات والحوارات.
خذ –مثلا- قضية «المحاصصة» هذه التي اشعلت النقاش في دوائرنا السياسية، وكأنّ مجتمعنا قد حل كل مشكلاته وبقيت مشكلة «توزيع» الغنائم بأية خفة يفكر هؤلاء الذين يريدون ان يقتسموا البلد ويحولوه الى «مناطق» نفوذ، تارة باسم المحاصصة وتارة باسم «الاستحواذ» اليس من الاولى ان يتدافع هؤلاء لانجاز مشروع الاصلاح الوطني الذي يعني بالضرورة اقامة موازين العدالة بين الجميع وكسر حالة «الاقصاء» والظلم التي يعاني منها الاردنيون كلهم، اليس من الاجدى ان يرفضوا مبدأ الثنائيات» القاتلة التي كرست داخلنا الانقسام وافرزت اسوأ ما فينا من ثارات وضغائن واشتباكات، واشغلت «نخبنا» بالبحث عن حظوظهم في المغانم على حساب قضايا الناس وهمومهم الملحة؟.
خذ – ثالثا- قضية «التوزير» والمشاورات التي ما زالت تدور حول اسماء «الوزراء» وعددهم وفيما اذا كان «للنواب» نصيب من الكعكة، او فيما اذا كان من حق وزراء معنيين ان يحتفظوا بمناصبهم، هل يمكن لمجتمع يبحث عن «اولوياته» في الاصلاح والتغيير ان ينشغل بهذه التفاصيل، فيما سؤال الحكومة البرلمانية وبرنامجها الاصلاحي وقضايا الناس الضرورية غائبة عن جدول النقاش... وهل ما يريده مجتمعنا حقا «حقائب» وزارية توزع على الكتل واخرى على المحافظات او «المنابت» أو حكومة وطنية تشارك فيها شخصيات نظيفة وكفؤة وتتحمل مسؤولياتها وتعيدنا الى سكة السلامة.
هذه –بالطبع- ثلاثة نماذج فقط لاولويات مغشوشة وجدنا انفسنا نخوض نقاشات ساخنة حولها، لدرجة اننا استغرقنا فيها وكأنها تشكل «العصب» الحقيقي لسؤال النهضة التي ننشدها او «التراجع» الذي نعاني منه، اما اولويات الديمقراطية الحقيقية، والامن الوطني والموازنة والمديونية والاقتصاد الذي يدفع الناس ضريبة تدهوره، والعدالة وموازينها المختلة وكابوس الحرب في سوريا ومشروع الاصلاح الذي تعطل؛ فهذه كلها غابت عن اجندة نقاشاتنا وكأن هناك من اراد ان يحوّل النقاشات ويوجهها نحو قضايا اخرى... لا من اجل الدفاع عن المصلحة الوطنية او المساهمة في دفع «الضرر» عن البلد وانما لاشغال الجميع في قضايا هامشية، وتوظيفها سياسيا ودينيا لاغراض غير مفهومة.
تبقى ملاحظة اخيرة وهي انني لم اقصد ابدا «التهوين» من شأن بعض هذه القضايا ولا من ضرورة مناقشتها وانما اعتقد انها لا تشكل اولويات لنا في هذه المرحلة كما انه يمكن مناقشتها في اطارها الطبيعي وفي سياقاتها المحددة لا ان ننجر خلف «أضوائها» الساطعة فنغرق في الجدل والصراع ونترك القضايا الاهم التي يرتبط بها مصيرنا العام «للشطار» يفعلون بها ما يشاؤون. ( الدستور )