مصر ومرسي و9 شهور صعبة

لم تمض سنة على حكم الإخوان، أو مرسي بتعبير أدق، فما هي سوى أقل من 9 شهور، فيما يبدو أن التزوير من أجل التلاعب بمشاعر الناس عبر وسائل الإعلام قد طال حتى أرقام الشهور وعددها، هو الذي لم يترك أداة للكذب إلا واستخدمها، إذ لم يحدث في التاريخ البشري أن استبيح رئيس منتخب في وسائل الإعلام كما يستباح مرسي يوميا في عشرات الفضائيات والصحف والمواقع، وغالبا بقدر هائل من الكذب والافتراء، فضلا عن التنقيب في أي تصريح أو موقف من أجل المضي في برنامج التشويه. وعموما لا يبدو أن ثمة حاجة للمحاكمة على فترات معينة، لأن المحاكمة تتم باليوم وبالساعة، ولا تنتظر شهرا ولا سنة.
قبل 9 شهور، فاز مرسي بالرئاسة، ثم أدى اليمين الدستورية، ولنا أن نخصم منها شهرين أو أكثر كان المجلس العسكري لا يزال هو الحاكم الحقيقي في مصر، والنتيجة أن مرسي لم يمسك بظاهر السلطة سوى قبل 7 شهور، وربما ستة من الناحية العملية. ونقول ظاهر السلطة لأن إقصاء المجلس العسكري لا يعني أن الرجل قد أمسك بالسلطة فعلا في دولة عميقة تحيط به وتطارده من كل اتجاه.
الشيء المؤكد هو أن الرجل، وإن غيّر بعض وجوه وقادة الجيش والمجلس العسكري، إلا أن المؤسسة الأمنية والمخابرات على وجه التحديد لا تلتزم بتعليماته كرئيس منتخب، وكبارها وأعضاؤها يتأثرون بمصالحهم التي يخشون تعرضها للتهديد، في ذات الوقت الذي يتأثرون فيه مثل باقي الناس بموجة الضخ الإعلامي اليومي ضده، والذي يتجاوز الشيطنة، فضلا عن خضوع بعضهم لإغراءات قادمة من الخارج الذي يواصل العبث عبر ضخ الأموال الهائلة كما هو حال تلك القادمة من الخارج،
هل سمعتم في الدنيا عن جهاز شرطة يتمرد ويُضرب عن العمل بهذا الحجم الذي حصل في مصر، فيما يخرج من يصرخ ضد أخوانة الشرطة، مع أن الرئيس لم يعين شرطيا واحدا منذ استلامه للحكم؟!
المؤسسة العسكرية تراقب وتنتظر، لكنها لا تفعل الكثير لمواجهة حملة الشيطنة التي يتعرض لها الرئيس، وعموما، ما كان لذلك الكم من الفوضى الذي عطل مصالح الناس (فضلا عن شيطنة الرئيس) أن يمر لو شعر مدبروها أن المؤسسة الأمنية والعسكرية تقف إلى جانب الشرعية بحزم.
هل ثمة معارضة حقيقية لمرسي في الشارع؟ أبدا، فالمعارضة العملية موجودة في وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحفية، ودليل ذلك هو توقف المظاهرات بعد أن أيقن منظومها من رموز الإنقاذ حجم الفضيحة حين انحسر الناس من عشرات الآلاف إلى آلاف وصولا إلى مئات (هل ما جرى أول أمس مليونية كما سموها أم وجبة عنف وفوضى أمام مقرات الإخوان؟)، وبقي في ميدان التحرير بضعة عشرات، أكثرهم من العاطلين عن العمل الذين تسكت عنهم السلطة لأنها لو مستهم فستقوم الدنيا ولن تقعد، وسيصبحون رموز الحرية وسادتها بامتياز.
ما يجري في مصر منذ 3 شهور على الأقل لا صلة له البتة بالتظاهر السلمي ولا بالاحتجاج، بل بالفوضى المنظمة التي يديرها الفلول ومليارديراتهم، مع قدر من التمويل الخارجي المعروف، والواضح أن جهاز الأمن لم يتعامل مع ذلك بحزم، ربما لأنه بعضه يتبنى هذه الحالة بهذا القدر أو ذاك. ثم إن ممارسات الأمن التي يُتهم بها مرسي لا تنتمي إليه، بل إلى وضع يدرك الجميع أن تغييره سيحتاج زمنا، ولن يتم بين يوم وليلة. أما قصة بورسعيد، فحكاية أخرى لا صلة للرئيس والإخوان بها، بقدر صلتها بعصبيات جهوية، لأن القضاء هو الذي اتخذ قرارات الإعدام، ولو لم يتخذها، لانفجرت القاهرة عبر ألتراس الأهلي، لكن البلطجية استغلوا ما جرى في عمليات حرق وتدمير لا تنتمي سوى للإجرام العملي، ومع ذلك كم معتقل حتى الآن يتواجد في السجون على خلفية عمليات الحرق والتدمير التي وقعت، ولماذا أفرج عن غالبيتهم؟!
أما حكاية الأخونة، فقد ثبت أنها محض هراء، إذ يشغلون فيها 7 وزارات هامشية، بل هي حكومة تكنوقراط، ومع أنني أعتقد أن حكومة من هذا اللون لم تكن خيارا صائبا بعد ثورة، إلا أن الثابت لمن يريد الإنصاف أنها حكومة تصل الليل بالنهار من أجل تحقيق بعض النجاح في بلد استلمه الحكم الجديد وهو مدمر من ناحية الاقتصاد والبنية التحتية، ومن يطالبون بإقالة الحكومة إنما يريدون كسر الرئيس لا أكثر، أو يريدونها لأنفسهم، فيما يسعى آخرون إلى زيادة منسوب الفوضى من أجل استدعاء الجيش للانقلاب الأمر الذي لم يستح منه كبار فيما يسمى المعارضة مثل البرادعي وسواه.
بحكم قضائي أوقفت انتخابات مجلس الشعب التي كان ينبغي أن تستكمل المؤسسات الدستورية، وعندما طعنت الرئاسة في الحكم صرخوا محتجين، مع أنه لجأ للقضاء أيضا، ورغم تأكيده على أن تأجيل الانتخابات لا يزال قائما، وعموما يبدو أن الرئيس يراهن على عنصر الزمن في تجاوز هذه المرحلة الصعبة، وهو لا يمانع في تغيير الحكومة إذا تم ذلك ضمن توافق يشمل سائر الملفات، لكن نجاحه سيظل برسم التساؤل، لأن هناك في الداخل من يريد الفوضى والانقلاب، كما أن هناك من الخارج من يبذلون الأموال الطائلة لتحقيق ذات الهدف. ( الدستور )