شظايا «معركة الشام» إذ تتطاول وتتطاير؟!

ليست صدفة أبداً، أن يتقدم السيد نجيب ميقاتي باستقالة حكومته بعد ساعات قلائل فقط من إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما من تل أبيب عن حزب الله منظمةً إرهابية تستحق العزل والاندراج في القوائم السوداء للمنظمات الإرهابية..والتزامن بين الخطوتين، لا يمكن أن يكون وليد لحظته، فثمة ترتيبات وتحضيرات، جرت سراً وعلانية، تفتح الباب لأكثر التكهنات والسيناريوهات، خطورة وسوداوية.
تصريحات الرئيس الأمريكي توجت مساراً سياسياً وحكومياً في لبنان، بدأ برسائل شديدة الوضوح، صدرت عن عواصم عربية وإقليمية ودولية، تحمل في طيّاتها ثلاثة خطوط حمراء: الأول، أنه من غير المسموح لحزب الله أن يستمر في الحكومة، دع عنك قيادتها ولعب دور رئيس في تشكيل وصياغة قراراتها وتوجهاتها..الثاني، أنه من غير المسموح تحت أي ظرف، “العبث” بهيكلة وتوجهات وقيادة الأجهزة الأمنية اللبنانية، ومن هنا هبط قرار التمديد لمدير قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي المحسوب على تيار المستقبل، هبوط الصاعقة على الاجتماع الأخير لحكومة ميقاتي..والثالث، أنه من غير المسموح لحزب الله وحلفائه، فرض قانون انتخابي يمكنهم من الحصول على الأغلبية النيابية، ومن هنا أيضاً جاء إصرار ميقاتي، مدعوماً من الرئيس ميشيل سليمان والنائب وليد جنبلاط ، على دعوة الهيئة الناخبة وفتح باب الترشيح وأخيراً تشكيل “هيئة الاشراف”لإجراء الانتخابات في موعدها، حتى وإن أفضى ذلك إلى إحياء القانون المعروف بقانون “الستين”.
ثمة مكون داخلي في الأزمة الحكومية بلا شك، لكن الأسباب الجوهرية الكامنة وراء الأزمة (الأكمة) إنما تقع في مكان آخر، على مقربة من بيروت، في دمشق وأكنافها، حيث تقع ساحة الاشتباك الإقليمي والدولي الأكبر، وحيث تجري على نحو دامٍ ومدمر، أبشع عمليات تصفية الحساب في التاريخ المعاصر، تارة تحت مسمى الإصلاح والثورة وأخرى تحت شعار المقاومة والممانعة.وحيث الأنظار شاخصة والاستعدادات جارية على قدم وساق، لحسم “معركة الشام” قبل إطلالة الصيف المقبل، وهي المعركة التي يبدو أن شظاياها بدأت تطاول الإقليم برمته، حتى قبل أن تبدأ على نطاق واسع.
المعركة على حزب الله، فُتحت على مصراعيها، ولهذه المعركة مقدماتها في لاهاي وليماسول وبورغاس، وأخيراً في شبكة التجسس التي قالت السعودية أن ناشطاً من حزب الله متورطٌ فيها..أما السبب الرئيس لاستهداف حزب الله، فهو ذاته السبب الذي جعل الأطراف ذاتها، تسابق الزمن لتسليح المعارضة السورية وتشكيل الحكومة الانتقالية (تحت شعار تغيير موازين القوى على الأرض)، وهو السبب ذاته الكامن وراء الحملة الشرسة التي يتعرض لها نوري المالكي وحكومته في العراق، سياسياً وأمنياً.
إنها المعركة على سوريا، وقد امتد لهيبها واتسع نطاق عملياتها، ليطال العراق ولبنان، وعلى نحو مفتوح..والحكومة الانتقالية في سوريا، لن ترى النور، ولن يُكتب لها أن تكون “البديل” المُرتجى لحكومة الأسد ونظامه، ما لم تسقط “حكومة نوري المالكي” في العراق، و”حكومة حزب الله” في لبنان..إنها الأزمة السورية، وقد دخلت من الباب الأوسع في “عصر البلقنة”.
لكأنه “أمر عمليات” واحد، صدر من غرفة عمليات واحدة، يجري تنفيذه بتناغم في هذه الساحات الثلاث، والأرجح أنه لن يقف عندها، سيما بعد أن سجّل المراقبون لجولة إوباما في إسرائيل وفلسطين والأردن، تراجع الرئيس الأمريكي عن نص وروح “بيان جنيف”، وميله من جديد لإحياء لغة التهديد والوعيد في التعامل مع الملف، وكشفه عن تعاون إقليمي ودولي لتدريب المعارضة وتأهيلها لتغيير موازين القوى، ومطالبته المتجددة، بخلاف وزير خارجيته، بتنحي الأسد أو تنحيته، وحرصه الفائق للعادة على إعادة المياه لمجاريها بين أنقرة وتل أبيب، وسخائه في توزيع “ضمانات الأمن وتطمينات الاستقرار” على الأصدقاء والحلفاء.
أما “سؤال المليون دولار” كما يُقال، فيتعلق بالكيفية التي سيرد بها محور طهران – بغداد – دمشق – الضاحية الجنوبية، على الحرب المفتوحة والمعلنة التي يشنها وتُشن عليه، وما إذا كان سيستمر في التعامل مع هذه الملفات بصورة منفصلة، أم أنه سيرد بقرار استراتيجي موحد، فيفتح النيران على كثافتها وعلى كافة الجبهات، على اعتبار أن كل فريق من أفرقاء هذا المحور، سيؤكل يوم أكل “الثور الأسود” .
فلسطينياً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح يدور حول ما إذا كان “أمر العمليات” المذكور، سيشمل المصالحة الفلسطينية، سيما وأن الرئيس أوباما “لم يقصّر” بحق حماس أيضاً..والأنباء عن حصاد جولته الفلسطيني، ترجح “استئناف المفاوضات” و”إطلاق إجراءات بناء الثقة”..فهل ستضع واشنطن حماس في سلة واحدة مع حزب الله، أم أن صلاتها “الإخوانية” الممتدة من مصر إلى تونس، مروراً بأنقرة ومعظم العواصم العربية الإقليمية، تُبقي لحماس مكانة متميزة عن تلك التي يحتلها حزب الله في حسابات السياسة الأمريكية..أسئلة وتساؤلات يتعين التريث في تقديم الإجابات القاطعة عليها. ( الدستور )