زيارة مُستفزِّة

بكل المعايير، وبعيدا عن العرف البروتوكولي، فإن الوصف المناسب لزيارة الرئيس الأميركي للأردن وفلسطين وإسرائيل مُستفزِّة، وفيها استهانة بحقوقنا، وبترتيبنا على الأجندة الانسانية لباراك أوباما.
في إسرائيل، وأمام أكثر الحكومات تطرفا وأشدها خطورة، كان أوباما حملا وديعا، مدافعا عن الدولة العبرية أكثر من أبنائها، وتماهى مع نتنياهو ليس فقط في تهميش القضية الفلسطينية، بل بازدراء حقوق شعبها، وكان همه الدولة اليهودية المنتظرة.
ليس هذا فحسب، بل لم يفكر أوباما بفتح أي أفق لوقف استعمار الاستيطان والاحتلال للقدس والضفة الفلسطينية، وحتى عندما تذكر الحديث عن حل الدولتين، تطرق له على طريقة الخجل من فعلة سوداء اقترفها.
لم يفكر أوباما صاحب الابتسامة غير المفهومة، خبثا كانت أم طيبة، أن يسجل في تاريخه السياسي أنه انتصر لحق الشعب الفلسطيني، حتى لم يفكر في الانتصار لأسرى هذا الشعب، وفي المقدمة الآن سامر العيساوي الذي دخل إضرابه عن الطعام يومه 248.
لأننا شعب طيب ومتسامح، كان من الممكن أن نتغاضى عن مثالب كثيرة للرئيس الاميركي خلال الزيارة، لو مارس ضغطا على حكومة التطرف في إسرائيل لإطلاق سراح العيساوي الذي يسجل تاريخا جديدا في مقاومة الشعوب، والتي على ما يبدو لا يعرف عنها الرئيس أوباما شيئا، مع أننا كعرب ومسلمين، أكلنا "خازوقا مبشما" في التبشير بأوباما في دورته الأولى، من وراء لون بشرته وديانة والده السابقة، واستمر الخازوق للأسف في الدورة الثانية.
جاء أوباما إلى المنطقة، لا يحمل في جعبته حلاً للقضية الفلسطينية، ولم يحمل مبادرة سياسية لاستئناف المفاوضات، بل يريد استئنافاً بلا شروط مسبقة أي بما ينسجم مع الدعوة الإسرائيلية لمفاوضات في ظل الاستيطان.
وانزلق مع أهداف الحكومة الأكثر تطرفا باعتبار الملف الإيراني هو الهم الرئيسي على جدول أعمال الإسرائيليين، واستتباعاً الملف السوري. أما الملف الفلسطيني، فيبدو أن أوباما لم يعد يضعه في سلم أولوياته.
زيارة أوباما وضعت الفلسطينيين أمام الواقع الحقيقي، حتى يشفى من يراهن على الترياق الأميركي، ومن يراهن على الحالة الإقليمية العربية، حتى الذين يراهنون على مصر باعتبارها دولة الإخوان، أو على تطور ما في سورية، ان يشفى من هذا الوهم.
في عمان، كان أوباما محاضرا أكثر منه سياسيا، ورغم إجاباته الطويلة والمملة في المؤتمر الصحافي إلا أنه لم يقدم شيئا، وتهرب من دفع استحقاقات سياسية في الموضوع الفلسطيني، وركز حديثه على سورية ومستقبلها، وكان داعية أكثر منه سياسيا، متخوفا من مستقبل التطرف المنتظر.
باختصار شديد، فإن زيارة أوباما كشفت عمق انحياز الإدارة الأميركية لإسرائيل على حساب الحقوق الوطنية، الفلسطينية والعربية. ( العرب اليوم )