الحقيقة المرعبة

تم نشره الخميس 28 آذار / مارس 2013 02:16 صباحاً
الحقيقة المرعبة
د. رحيّل غرايبة

يتمّ اللجوء أحياناً إلى أسلوب مخادعة النفس، ومحاولة العيش بالوهم اللذيذ، الذي يتمّ من خلاله نسيان الحقيقة أو تناسيها أو التغافل المتعمّد الممزوج بفلسفة التبرير، وإتقان البحث عن مسارب تبديد الطاقة وتفريغ الغضب عبر أساليب ووسائل لا تلحق الضرر بأحد ولا تؤذي النفس، على طريقة بعض مراكز الاستشفاء في معالجة الكبت النفسي المؤذي، وتنفيس شحنات الغضب القاتلة التي قد تؤدي إلى ارتفاع منسوب الإحباط والاكتئاب الذي يقصّر العمر ويعجل بالأمراض المستعصية.

نحن في الأردن نعيش هذه الحالة بشكلٍ جماعيّ، وهناك تواطؤ عامّ تاريخي متوارث عبر الأجيال على عدم المصارحة، والتواري في جنبات التورية والمجاملة السياسية والاجتماعية وإبداء قدرة عجيبة على التلذذ بمنظر السراب، وقضاء الأوقات الطويلة بنظم القصائد والأدبيات، وتأليف القصص والروايات في وصف الواحات وشواطئ النخيل الجميلة وبرك المياه الصافية التي تتراءى لنا في صحرائنا القاحلة.

عندما نستيقظ أحياناً لبرهة من الوقت، أو نسمع صوت انفجار الحقيقة من خلال بعض المصارحات، والمحاولات النادرة في الكشف عن بعض أوصاف الواقع المرير، نصاب بالرعب والفزع والخوف الشديد من اكتشاف أنّنا نعيش أضغاث أحلام، ونخاف من لحظة تبديد الوهم اللذيذ من خلال الاصطدام بصخرة الواقع المؤلم ونخاف أن نكون في مواجهة الحقيقة المفزعة وجهاً لوجه.

الأحداث المهمّة السابقة التي أشغلت الجمهور الأردني خلال الأيام القليلة الماضية كلّها تشير إلى الحقيقة التي نحاول جاهدين التحايل على الاعتراف بها أو ملامستها، وإن كان هناك من يحاول امتلاك الجرأة على الحديث الهامس.

خلال أربعة وستين عاماً، جرى تدشين أهمّ مشروع عالمي في المنطقة العربية الذي أطلق عليه مؤخراً الشرق الأوسط الجديد، هذا المشروع تمّ برعاية بريطانية ابتداءً ثمّ أمريكية مؤخراً، لكنّه بتوافق عالمي وباتفاق جميع الأقطاب بلا استثناء، وجرى ترتيب الأوضاع المختلفة بحيث تتكيف مع نموّ هذا المشروع، ولا تتناقض مع تهيئة كل عوامل العناية له والرعاية والحفظ والصيانة، وتسابقت الدول الكبرى على الاعتراف به، وتقاسمت الأدوار، وتمّ ترتيب المسرح بإتقان.

على حواف هذا المشروع جرى الفك والتركيب، وجرى التشريد والتهجير ونشأت أفكار ومشاريع عديدة، وأشعلت حروب، وأطفئت نيران وولدت زعامات ورحلت قامات، وولدت منظمات من كل الألوان، ومن كل الأشكال والمشارب، وما زال المشروع قائماً، وما زلنا نعيش لذة الوهم، وما زلنا نعيش لذة الانقسام وحمّى التنافس على تحصيل المكاسب والهروب من مواجهة الحقيقة.

يأتي الرئيس الأمريكي الجديد يزور المنطقة، ويعلن يهودية الدولة المزعومة في فلسطين، ويتمّ ولادة حكومة صهيونية جديدة تلبس ثوب المرحلة الأخيرة التي وصل إليها المشروع المتمثل بـ " الاستيطان"، وهو يمثل وضوح الاستراتيجية العميقة للكيان، التي تقوم على فلسفة قلع فلسطيني وزرع يهودي مستوطن بدلاً منه، وعلى جميع القوى والسلطات والمسارات السياسية وعلى الدول المجاورة أن تتكيف مع هذه "المعادلة" التي تُعدّ روح الكيان ومستقبله وأمنه، لأنّ اختلال هذه المعادلة يمثل اختلالاً جوهرياً في مسيرة نموّ الكيان واكتماله.

كل ما يحدث في المنطقة يجب أن يجري في هذا الفلك، وأن يتكيف مع هذه المعادلة التي أجمع عليها كل قادة الكيان الصهيوني وأحزابه ومنظماته، وكل الحقائق التي اعتبرها بعضهم صادمة ومفاجئة، فهي في الحقيقة لم تكن كذلك، وإنّما مثلنا كمثل "قط الجزّار" الذي استمرأ لعق الدم عن سكين الجزّار الحادّة، واكتشف القط بعد مضيّ الوقت وبعد الاستغراق باللعق المصحوب بالألم اللذيذ أنّه فقد لسانه ولعق دمه..!! ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات