مصر من ؟؟

البلدان ليست لمن يدعونها، سواء تعلق الأمر بمصر أو سواها، لهذا لا يمكن لفلسطيني أن ينازع عزالدين القسام في كونه فلسطينياً حتى النخاع ولا يمكن لمصري أن يقلل من مصرية سلمان الحلبي الذي جاء من الشام ليقتل الجنرال كليبر في القاهرة بعد أن استباحت خيوله الأزهر، فلا فضل لعربي على عربي وليس على أعجمي فقط إلا بقدر انتمائه الى هذه الجغرافيا الجريحة، لكن ذات الحفيف الرسولي الذي مهر كل حبة رمل في صحرائها وكل قطرة ماء في أنهارها مصر شأن سواها من الأمصار للأبناء وليس لمجرد الورثة، ولحاملي أعباء وجعها وأنين جياعها وليس لمن ينتج الجوع بغزارة تفيض عن مواسم أفريقيا وآسيا معاً.
مصر لمن افتداها من أبنائها ومن حفروا قنالها حتى سقوا ترابها بدمائهم، فاستحقوا تلك الصرخة الباسلة التي أعادت اليهم الحق عام 1956، وهي لمن قاوموا الاحتلال بعد الاحتلال في تلك القلادة من مدن ثلاث على ضفتي القتال، وهي أيضاً للتنويري الذي عبر سايكس - بيكو ولم يعبأ بتضاريس رسمها الجنرالات في لندن وباريس ومات مسموماً في أحد مقاهيها كما حدث للكواكبي الكبير الذي افتضح الاستبداد وطبائعه قبل أن ينجب سلالة الفاسدين.
ومصر لهؤلاء الذين كانت مساقط رؤوسهم في الشام لكن قبورهم فيها وهم الذين فروا من التتريك والعثمنة الى مجال حيوي يتسع لعروبتهم واسلامهم المستنير. ان ما قاله البابا الراحل شنودة وهو أن مصر تعيش داخل المصريين أكثر مما يعيشون فيها هو القراءة الأدق لنمط نادر في التاريخ من الانتساب ما دامت الجغرافيا تاريخاً متحركاً كما أن التاريخ له تضاريسه أيضاً ومجراه كما له مَكرُهُ الذي يقاطع المتواليات الرّتيبة وهو وحدة القادر على تحويل الفسيخ الى شربات كما يقول مثل مصري، لأن ناموسه الأزلي لا يتيح لأحد أن يغير مجراه وكذلك النيل الذي لا يلوي حتى السلاح النووي عنقه ليغير المصب والجريان شرقاً، فقدر مصر الجغرافي عربي، وقضاؤها لا سبيل الى تدجينه لأنه نافس الأهرام والسّد العالي على الاستقامة والبسالة.
مصر لكل مصري كما قال مصطفى كامل أثناء احتلالها عندما كان غير المصري هو الغازي البريطاني وليس العربي، توأم العقيدة والأشواق والدّم.
ما من قوة استطاعت اختطاف الكنانة من سياقها التاريخي والقومي، رغم أنها تصاب شأن كل الكائنات بوعكات أو نوبات برد إذا احتجبت الشمس قليلاً، لكنها على موعد دائم مع قيامات قومية متعاقبة، تنشر التنوير حتى لو كان من ثقب ابرة كما يقول د. رفعت السعيد مصر لنا كما هي لأهلها فهي الرافعة وبارومتر التمدن المحرر من جبس العقل وشرانق الايديولوجيات.
انها كما وصفها أحد أبنائها، الزمن شاب وهي شابة وهو رايح وهي قادمة!! ( الدستور )