اللاجئون السوريون .. التفكير من «خارج الصندوق»

دعونا نعترف بأن لا قبل لنا في الأردن ولا في لبنان، على تحمّل أعباء اللجوء السوري..هذا لا ينتقص للحظة من محبتنا وتقديرنا للإخوة والأشقاء في سوريا..ولا يجوز أن يفهم منه للحظة واحدة، عدم تقديرنا لتضحيات هذا الشعب المناضل والمضياف الذي طالما استقبل بالقلوب والصدور، قبل البيوت والمعسكرات، موجات اللجوء الفلسطيني والعراقي واللبناني.
وسوف يزداد ثقل الأزمة (أزمة اللجوء) وطأة خلال الأشهر القليلة القادمة، في ظل تواتر المعلومات التي تؤكد قرب اندلاع “معركة دمشق”، والتي قد ترفع أعداد اللاجئين في البلدين الصغيرين المجاورين إلى ما يزيد عن مليون لاجئ في كل منهما..وتكاد الصدف أن تجمع الأردن بلبنان مرة ثانية من خلال المعلومات التي تؤكد وجود ما بين 500 – 600 ألف سوري مقيم في كل منهما، لأسباب اقتصادية واجتماعية، لا علاقة لها بالأزمة، وقبل اندلاعها..ويزيد الطين بلّة، ما يتسرب عن المنظمات الدولية من معلومات تتحدث عن استمرار مشكلة اللجوء ربما لعشر سنوات قادمة، حتى وإن تراجعت الأرقام والإحصائيات بعد أن يعود من يرغب بالعودة إلى الوطن والمنزل والديار.
لقد جرّب “المجتمع الدولي” نظرية فرض مناطق آمن وممرات إنسانية تحول دون تحوّل المواطن السوري إلى لاجئ..لكن هذه الفكرة الإنسانية في ظاهرها، طالما أخفت وراءها، أبشع الأجندات وأكثرها “لؤماً” بالنسبة لسوريا ومستقبلها..حتى صح فيها القول، بأن باطنها فيه الرحمة وظاهرها فيه العذاب..وهي نظرية سقطت على أية حال، بعد أن بات المجتمع الدولي ذاته، ينظر إليها كإعلان حرب على سوريا، لا يرغب أحدٌ فيها ولا يستعجلها.
إزاء هذه الاستعصاءات المركبة، لا بد من التفكير من “خارج الصندوق” والبحث عن حلول إنسانية لهذه المشكلة الإنسانية بامتياز، ومن دون توظيف سياسي من أي نوع، ومن دون استثمار لمعاناة ملايين السوريين وآلامهم، خدمةً لأجندات هذه الدولة أو تلك، هذا المحور أو ذاك.
والتفكير من “خارج الصندوق” يعني في هذه الحالة شيئاً واحداً فقط: قيام المنظمة الدولية بإجراء مفاوضات مع كل من النظام والمعارضة، وداعميهما الإقليميين والدوليين، للاتفاق على تحديد مناطق خالية من السلاح والمسلحين، تقام عليها مخيمات للاجئين السورين فوق أراضهم وبين أهلهم..مناطق يتعهد الجيش السوري والمليشيات التي تقاتل معه، وبضمانة دولية من حلفائه وداعميه، بعدم الاقتراب منها أو استهدافها، كما تتعهد فصائل المعارضة المسلحة وبضمانه داعميها الإقليميين والدوليين بعدم التواجد في هذه المربعات الآمنة أو استهدافها أو استخدامها “منصات” لضرب النظام ومؤسساته، على أن يُترك تسيير شؤون هذه المعسكرات الداخلية، للمنظمات الإنسانية الدولية ومؤسسات المجتمع المدني والهلال الأحمر السوري.
مخيمات اللجوء السوري، محرجة للنظام، وهي ورقة تستخدمها بعض أطراف المعارضة وحلفائها، للضغط عليه، وابتزازه سياسياً..وهي محرجة للمعارضة التي تفقد يوماً بعد آخر، زخمها الشعبي وتتحول إلى مليشيات مسلحة تقوم بالدور باسم الشعب ونيابة عنه، والشعب لم يقرر بعد توكيل هذا أو ذاك للحديث باسمه..كما أنها محرجة وضاغطة على الدول المضيفة بسبب تزايد الأعداد وطول المدة المتوقعة لبقائها..وفي غياب “التوافق الدولي”، تبدو المناطق الآمنة المفروضة بقوة السلاح والتدخل الدولي، غير ممكنة التحقيق، بل وقد تزيد في معاناة السوريين وتطيل في أمدها..ما يفرض جدياً، البحث عن حلول ومخارج أخرى، إن كانت القضية السورية في بعدها الإنساني، مهمة لمن يتباكون على دماء السوريين وعذاباتهم، وبعضهم متورط في الدم السوري من الرأس حتى أخمص القدمين.
قد تبدو هذه المقاربة “ساذجة” بالنسبة للبعض، ولقد استمعت لناشطين دوليين في مجال الإغاثة يتحدثون عن مخاوف من “قصف” لهذه المعسكرات..الغالبية الساحقة من اللاجئين ليسوا من نشطاء المعارضة، هؤلاء لا يستقرون في “معسكرات اللجوء”، وهم دائبو التنقل من عاصمة إلى أخرى ومن مؤتمر إلى مؤتمر على مدار الساعة والأسبوع..ومن دون “تطيّر” أو “سذاجة”، نحسب أن اقتراحاً كهذا يمكن أن يشق طريقه إلى حيز التنفيذ، ويمكن أن يجتذب توافقاً دوليا وإقليمياً، يمهد الطريق لتخفيف معاناة السوريين ولا نقول استئصالها. ( الدستور )