ميسرة أبو حمدية إذ يرتقي شهيدا

كتبت أول أمس الاثنين عن ميسرة أبو حمدية، الأسير البطل الذي عانى من سرطان الجسد، بعد أن واجه سرطان الاحتلال بكل ما أوتي من قوة، لم يكلّ ولم يمل.
صباح أمس ارتقى ميسرة شهيدا، وذهب إلى ربه راضيا مرضيا، بعد أن أدى رسالته وبذل كل ما في وسعه من أجل نصرة قضيته وقضية أمته.
كان بوسع الغزاة أن يعالجوه مبكرا، لكنهم تركوا السرطان ينهش في جسده. وها هو باستشهاده يطلق صرخة في وجه الغزاة القتلة، وفي وجه من يصمتون على معاناة الأسرى، لاسيما الكبار والأطفال والنساء والمرضى.
هناك 25 أسيرا آخر ينهش السرطان أجسادهم، ويرفض الاحتلال الإفراج عنهم، كما أن هناك جحافل من المرضى الذي لا يمنحهم ما يكفي من العلاج، وإذا عالجهم، فهو يفعل على نحو يضاعف من معاناتهم وآلامهم.
رحل ميسرة إلى ربه راضيا مرضيا بعد عشر سنوات من الاعتقال، وبعد عقود من النضال، هو الذي كان مؤمنا بربه، ومؤمنا بعدالة قضيته، محبا لإخوانه، مثقفا رائعا كما يعرفه الذين عايشوه.
أول أمس كتبنا عن رحلة ميسرة، وها نحن نعيد بعض ما كتبنا تذكيرا بهذا البطل الستيني الرائع. بهذا الأسد الخليلي المقدام. بهذا الرجل الذي لم يثنه تقدم العمر، ولا مسؤوليات الأبناء عن خوض المعركة مع الاحتلال دون خوف أو وجل.
ميسرة أبو حمدية، واحد من أبطال انتفاضة الأقصى، وهو بطل متميز لسبب بسيط هو أنه اعتقل وهو في العقد السادس (استشهد عن 63 عاما)، ما يعكس إرادته الصلبة في استمرار النضال، هو الذي بدأ رحلته مبكرا في صفوف الثورة الفلسطينية وحركة فتح، وصولا إلى تدريبه لشبان من حركة حماس بعد عودته من الخارج مع من عادوا ضمن اتفاق أوسلو، ومن ثم انتقاله إليها في السجن قبل سنوات (حكم عليه بالسجن المؤبد). وهنا يتبدى الفارق بين حشد من ضباط الثورة الفلسطينية المنتمين إلى حركة فتح ممن لا يزالون على عهد التحرير، والذين لا زال كثير منهم يقبعون في السجون إثر مشاركتهم مع أبناء شعبهم إثر انتفاضة الأقصى، بينما خرج عدد منهم (أحيل آلاف منهم على التقاعد كي لا يفكروا في تكرار التجربة)، وبين آخرين رضوا بسياسة التنسيق الأمني، وقبلوا العمل في سلكها.
باستشهاده يطلق ميسرة أبو حمدية صرخة من أجل إخوانه الذي أحبوه وتركهم خلفه يعانون سرطان السجون، وسرطان القتلة اليومي. يطلق صرخة من أجل أن يلتفت العالم إلى معاناتهم، ومن أجل أن نكون أكثر وفاءً للقضية التي ناضلوا ودفعوا أعمارهم خلف القضبان من أجلها.
لقد خرجوا من أجل فلسطين حرة لا يدنسها الاحتلال، وليس من أجل تكريس نهج تفاوض عبثي جرّب لعشرين عاما؛ فقط منذ أوسلو ولغاية الآن دون جدوى.
لقد دخلوا سجون العدو، وتركوا القضية أمانة في أعناق الأحرار في الخارج، لكن البعض يريد أن يتسول الإفراج عن بعضهم في سياق من الحوافز من أجل استئناف التفاوض على حلول يعلم الجميع أنها ستكون مشوّهة دون شك، وليس في سياق من المقاومة والبطولة كما حصل مع من خرجوا في صفقة وفاء الأحرار (صفقة شاليط)، وقبلها صفقات مماثلة تمت رغم أنف العدو.
سلام عليك أيها الشهيد البطل، وسلام على من تركتهم خلفك يواجهون سطوة الجلاد، وسلام على كل الشهداء ومن سيسيرون على دربهم إلى يوم الدين. ( الدستور )