مصر وهاجس التشيع!

لم يعد ممكنا تجاهل ما يجري في مصر من ردود افعال على تطبيع العلاقات بين طهران والقاهرة بعد اكثر من ثلاثة عقود من القطيعة، وما يجري هو باختصار تعبير عن هواجس حول التشيع وطقوسه، خصوصا في مصر التي حكمها الفاطميون عدة عقود، وتصور بعض المستشرقين والمستعربين ايضا ان الوجدان المصري شيعي، بسبب التعلق الشعبي برموز آل البيت واضرحتهم.
وهذا التقسيم الذي يجعل العقل سنيا والقلب شيعيا لا يخلو من تبسيط ان لم نقل سذاجة وحين التقيت قبل فترة بالدكتور احسان شريقي ابن الكاتب والمفكر علي شريقي الذي اغتيل في اوروبا في سبعينيات القرن الماضي دار بيننا حوار حول ايران والعرب، واعادة النظر في اولويات الصراع، ولانه استاذ فلسفة مستنير فقد قال لي بانه يتفهم كل هذه الهواجس.
وكانت مصر بالتحديد هي محور حوارنا اضافة الى كون ايران مطالبة بالتعبير العلمي عن حسن النوايا ازاء دول الخليج العربي. فلكي يصدق العرب اطروحات طهران حول فلسطين عليها ان تقدم عينات على الاقل من ممارسات سياسية تزيل الشكوك.
وما يغيب عن الكثيرين ممن لم يقرأوا التاريخ او قرأوه سياحيا هو ان المذاهب الدينية ليست عباءات او معاطف ترتدي وتخلع، فالشعوب تسقط حضاراتها وثقافاتها على كل شيء، لهذا تصور السود السيد المسيح اسود مثلما تصوره الجنس الاصغر على غراره وبلونه.
لكن اندلاع الهويات الفرعية بعد الحرب الباردة والتي وجدت ما يغذيها ويشحنها خلق مثل هذه الهواجس، رغم ان للتاريخ قوته خصوصا في عصر تبلورت فيه هويات قومية ووطنية. وظهرت فيه تيارات واسعة تغلب الهوية الام على الهويات الفرعية.
وقد لا تكون بعض تصرفات الرئيس نجاد اثناء زيارته لمصر موفقة من حيث الاداء او التوقيت، خصوصا عندمارسم شارة النصر باصبعيه في الازهر، معقل السنة ومرجعيتها التاريخية، لكن هناك في ايران من يقرأون المشهد بصورة مختلفة، كأن يقولوا مثلا بان رئيسهم رسم شارة النصر ذاتها في فنزويلا وهو يشارك في تشييع شافيز، فهل كان يبشر بتشييع الفنزوليين مثلا؟
ان هذه المقارنات عندما تنزع من سياقاتها الجغرافية والتاريخية تصبح عديمة المعنى.
والرئيس الايراني لا بد ان يدرك مدى حساسية مصر تحديدا من اي ايحاءات ذات صلة بالتشيع، فقد غابت ايران عن مصر اكثر من ثلاثة عقود وكان عليها ان تعود بحذر يريح الاطراف من اي تأويل.
ان التصعيد الطائفي من شأنه الان ان يخلق حروبا بديلة وقضايا بديلة ايضا والارتهان لفقه التطييف يحرمنا جميعا من الغنى والتنوع الذي تقدمه الاطياف وما يجري هو عودة الى ما قبل الدولة وما قبل الحداثة، بل هو زج لنا جميعا في حروب بينية تكون بمثابة هدية كبرى لعدو تاريخي ووجودي، تحول من موقع النقيض الى موقع المتفرج على اعدائه وهم ينوبون عنهم في قضم بعضهم!
ان ما ينبغي ان يشغل مصر الان هو ازماتها الحقيقية، وماؤها بل شريان حياتها المهدد اضافة الى الفوضى التي تعصف بها وتضاعف من البطالة، وتهميش الدور والانكماش على شجون محلية.
ما من وقت مضى كنا فيه بحاجة الى مستنيرين يتجاوزون هوياتهم الفرعية كما هو الحال الان ومن يدري؟ لعل السيف يسبق العدل كما يقال ونتورط جميعا في هزيمة موزعة بالتساوي!! ( الدستور )