الفقر «السرّي» في وزارة التنمية الاجتماعية

أحاول منذ حوالي أسبوعين الحصول على نسخة، أو ملخص أو معلومات معقولة، تتصل بآخر استراتيجية لمكافحة الفقر أعلنت عنها وزارة التنمية الاجتماعية قبل ثلاثة شهور.
أجريت ما تيسر من اتصالات، وفي كل مرة كنت، بما تيسر لي من أدب، أعتذر من المتحدث إذا لم يكن معنياً بالأمر، أو إذا كان ينبغي عليّ مراجعة الوزارة، رغم أن ما أطلبه ينفذ من خلال "الايميل" فقط، ولغاية الآن سمعت عدة إجابات تتراوح بين "غداً صباحاً" و"أمهلني نصف ساعة" أو "أعطني خمس دقائق" أو "اسمح لي دقيقة يا أستاذ لكي أفتح الكمبيوتر".
أرجو المعذرة من القارئ قبل أن أقول أنني أتابع موضوع الفقر، على الورق وفي الميدان، بقدر معقول من التفصيل منذ حوالي 15 عاماً، حاولت فيها أن أكون منصفاً تجاه العاملين في مجال الفقر لأني أعرف صعوبته وحساسيته. لكن اسمحوا لي أن أفش بعضاً من همي:
بين يدي الآن نسختان من استراتيجيتين لمكافحة الفقر صدرتا عن وزارة التنمية الاجتماعية في السنوات العشرة الأخيرة (من الواضح أن للوزارة زمن استراتيجي خاص). الأولى ورقية تقع في مئات الصفحات، كَتَبت مقدمتها الوزيرة السابقة تمام الغول، والثانية على قرص (سي. دي) اشتريته بعشرة قروش، بلا مُفاصَلة، من أصدقائي الفقراء في سقف السيل ممن يبيعون ما عثروا عليه في حاويات النفايات، وقد انتقيت قرصاً من بين كومة أقراص، بعد أن التقطت لها صورة تذكارية سوف أزود الوزارة بها إذا رغبت، فوراً وليس بعد خمس دقائق.
ولهذه الاستراتيجية "أم العشرة قروش" قصة تستحق أن تروى، فقد أعدّتها شركة أمريكية اسمها "ناثان"، اتخذت من شقة مجاورة لمبنى الوزراة القديم مكتباً لها، وقد قمت بزيارة الشقة في أيار 2006 فوجدته مغلقاً، فالتقطت صورة للوحة النحاسية التي تشير الى الشركة التي تسكنها، ولكني شعرت أن أحداً ما في الداخل، وانتابتني موجة طرافة، فرحت أطرق الباب وأنادي على "جماعة الاستراتجية" بطريقة "فلاحية" أحبها كثيراً، وبعد لحظات فتحت الباب سيدة بسيطة الهيئة، وقالت لي أن جماعة الاستراتيجية أنهوا عملهم وتركوا الشقة ولم يتبق سوى "عدة الشغل". طلبت الاذن بالفرجة. كانت هناك مكاتب وخزائن وقواطع خشبية يعلوها الغبار، فأخذت كمشة من الأوراق المتناثرة فوق الرفوف، ولا زلت أحتفظ ببعضها للآن، حاولت التصوير في الداخل، لكن السيدة قالت راجية: يا خوي بلاش تصوير. فاحترمت رغبتها. ومن المرجح أن الأقرص التي عثرت عليها في سقف السيل كانت أصلاً في تلك الشقة.
أرجو أن يطمئن الاخوة في الوزارة، أن زياراتي لسقف السيل متواصلة ومنتظمة منذ 15 عاماً، وسوف تستمر بعون الله، وآمل ان لا أعثر على طلبي الجديد ذات يوم هناك بعشرة قروش أخرى لا أكثر، حيث لا يكترث سقف السيل بنسبة التضخم.
بعد أن انهيت كتابة هذا المقال، شعرت بأنني كنت قاسياً وترددت في إرساله للصحيفة، غير أن ما أدعيه من التزام اخلاقي تجاه قضية الفقر في بلدي دفعني لكي أرسله. وعذري أنني انتظرت طويلاً قبل أن أكتبه. ( العرب اليوم )