استراتيجية التدمير الحضاري

توجع القلب، مشاهد العواصم العربية، التي تحولت مناطق فيها الى هياكل، كأنما ضربها زلزال بقوة 10 على مقياس ريختر.
فقبل عشر سنوات، وفي مثل هذه الأيام، وقعت كارثة الاحتلال الاميركي ـ الغربي للعراق، محمّلة بوقائع ثقيلة هي الأسوأ والأشد تدميرا في التاريخ الانساني الحديث.
كانت بغداد وستبقى، ايقونة المدن العربية، انكسرت لحظة هزيمة لامة لم تعرف الانتصارات منذ أمد بعيد.
وها نحن نشهد تكرار استراتيجية التدمير الحضاري والانساني لبلد عربي آخر "الشقيقة سورية" وفق وقائع وآليات وأدوات مختلفة، وأكثر تعقيدا وتداخلا.
فما نراه في المدن الشامية العريقة، بدءا من حمص وحماة وحلب، الى ريف دمشق وادلبها يدمي القلب، حيث تسمع انين السوريين الذين يضعون رأسهم على كتف قاسيون لكي يستريحوا، ولكن عندما يتعب قاسيون على كتف مَن سيضع رأسه؟!
هذا في العواطف، اما في السياسي، فحتى نتحرر من المسلّمات والانحيازات التقليدية والمطلقة، لا بدّ من استيعاب الدروس العميقة للتطورات التاريخية الجارية في منطقتنا العربية، بصدر رحب وعقل مفتوح واستشراف ضروري للربط الجدلي بين الوطني والديمقراطي.
إن الحصن المنيع الذي يحمي سيادة الأوطان من العدوان الخارجي مهما كان جبروته هو الوحدة والتماسك الداخلي القائم على الحقوق الديمقراطية والمشاركة الشعبية وسيادة العدالة الاجتماعية والمساواة والحريات العامة.
كما أن غياب كل هذه العناصر في الحياة السياسية والاجتماعية، وشيوع ظواهر الاستبداد والاستغلال بكل أشكاله، من شأنه أن يدمّر مقومات الدفاع الذاتي مهما كان الخطاب السياسي الرسمي وطنيا وصلبا تجاه العدو القومي.
لقد حال الاستعمار القديم والجديد بين شعوبنا وبلداننا العربية وبين امكانات التنمية والتقدم ومواكبة التطور الحضاري للأمم والشعوب، كما أدركت المجتمعات العربية ولو بصورة متأخرة، ان غياب العدالة الاجتماعية والديمقراطية والحريات العامة لا يقل خطورة على تقدمها ونيلها لحقوقها الوطنية والانسانية.
فمنذ اكثر من سنتين، تحركت الشعوب العربية في وجه الاستبداد السياسي والمالي، وهي تدرك تمام الادراك اهمية الربط بين مقاومة العدو القومي، والنضال من اجل الحريات الديمقراطية في ذات الوقت، لا بل باتت تدرك ان منجزاتها السياسية والوطنية في مواجهة الاحتلال والاستعمار بكل أشكاله مهدّدة بالاندثار طالما لم تتحصّن في أطر ونظم ديمقراطية تحترم قيمة المواطن ولا تنكر عليه حقوقه الوطنية والانسانية.
ليس قدرا علينا ان تقع بلداننا العربية جيلا وراء جيل، فريسة سهلة للهيمنة الدولية بكل اشكالها وتداعياتها، بل هناك محطات داخلية لا بدّ من انجازها في مواجهة كل اشكال الهيمنة والاستبداد.
ما زالت ابنية النظام القديم ومنظومته السياسية والفكرية، تجد حيّزا لها في بلدان الثورات العربية، وليس من الصعب ادراك اسباب ودوافع التحالف بينهما وبين سادة الحكم الجديد، ليس فقط في الاقتصاد وانما في أساليب التدمير الذاتي القائم على إثارة الصراعات والفتن الإثنية والدينية والطائفية/ كما وقع في مصر قبل يومين، في محاولات محمومة من أجل حرف الانظار عن استحقاقات الثورة والاصلاح والحقوق والديمقرطية.
ما بين احتلال العراق قبل عشر سنوات، وتدمير سورية هذه الايام، خيط ليس رفيعا، وبهدف واحد، استمرار لاستراتيجية التدمير الحضاري، فهل قدر هذه الامة التدمير دائما.؟! ( العرب اليوم )