لا تقرأ هذا المقال ... النفط والغاز نقمة أم نعمة

تم نشره السبت 13 نيسان / أبريل 2013 05:49 صباحاً
لا تقرأ هذا المقال ... النفط والغاز نقمة أم نعمة
الدكتور حسين عمر توقه

كان البترول العربي هو قبلة الأطماع للدول الأجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة منذ اكتشاف البترول في بدايات القرن العشرين . واليوم يطفو الغاز على سطح الأحداث سبباً جديداً تتسابق الدول العظمى في السيطرة عليه لا يقل أهمية عن البترول بل قد يزيد عليه في المستقبل القريب . لا سيما وأن هناك حقول غاز عربية مشتركة مع كل من إيران وإسرائيل .

إن إعلان إسرائيل البدء بإنتاج الغاز واكتشاف حقول الغاز الممتدة من سواحل تركيا الجنوبية وسوريا ولبنان وقبرص وإسرائيل وغزة هو السبب المباشر في حل الخلاف الإسرائيلي التركي وفي قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بتوجيه الإعتذار إلى تركيا بوساطة الرئيس الأمريكي أوباما من أجل توثيق أواصر التعاون الإستراتيجي بين كل من إسرائيل وتركيا من أجل السيطرة على حقول الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط .

المفاضلة بين النفط والغاز :

هناك حقائق لا بد من عقد مقارنة موضوعية بينها حين نتحدث عن النفط والغاز فالنفط يعتمد اعتمادا كليا على شركات النفط الأمريكية ومدى سيطرة هذه الشركات على الدول المنتجة للنفط ومدى انصياعها لتوجيهات الإدارة الأمريكية كما أن ناقلات النفط العملاقة لا زالت هي الوسيلة الوحيدة لإيصال النفط إلى الدول المستهلكة وعلى رأسها الدول الأوروبية والصين واليابان والولايات المتحدة. وإن مرور هذه الناقلات من خلال ممرات مائية إستراتيجية وعلى رأسها مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس وهذه الممرات الإستراتيجية هي في قلب العالم العربي . وإن أي هزة في النظام السياسي في الدول المصدرة للنفط وقيام شركات البترول بالتحكم في أسعار وبورصات النفط العالمية قد عرض أسعار النفط إلى التذبذب وعدم الإستقرار.

لقد أعلنت ألمانيا أنها في طريقها إلى التخلي عن الإعتماد على الطاقة النووية وأنها تريد تخفيض استهلاكها من النفط والديزل وأنها تتوجه إلى الإعتماد على مصادر أكثر صداقة ونظافة وحفاظاً على البيئة وعلى الإنسان ويأتي الغاز في قمة هذه المصادر وتم تصنيفه كمصدر نظيف للطاقة وهو ألأمثل لإستبدال محطات توليد الكهرباء العاملة على الفحم والطاقة النووية. وخاصة بعدما فوجىء العالم بالنتائج المدمرة بعد كارثة فوكوشيما في اليابان. كما أن هناك توجها مماثلا من قبل الدول الأوروبية للتحول إلى الغاز كليا في عام 2020 لأن الغاز هو الحل الوحيد لتلبية شروط تخفيض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون ألإجبارية الصادرة عن قرارات الدول الأوروبية أي أن استخدام الغاز يساهم في تخفيض نسبة إنبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 60% مقارنة باستخدام الفحم .

خطوط أنابيب الغاز :

كل هذه الأسباب قد أجبرت دول العالم المصدرة والمستوردة إلى البحث عن وسائل آمنة وأكثر حماية وأقل تكلفة وأكثر انتظاما وأقل حوادث في إيصال الغاز إلى الدول المستوردة فكان الإتفاق الذي تم تنفيذه بين روسيا وألمانيا من أجل تصدير الغاز الروسي من سيبيريا إلى ألمانيا بواسطة أنبوب غاز السيل الشمالي . بالإضافة إلى تنفيذ خط غاز يربط ليبيا بإيطاليا بأنبوب غاز تم تنفيذه تحت البحر الأبيض المتوسط .

إن نجاح تجربة أنابيب الغاز قد دفع الدول المصدرة للغاز وعلى رأسها روسيا التي تمتلك أعلى مخزون احتياطي من الغاز يقدر ب (47.8 تريليون متر مكعب ) يليها إيران والتي تبلغ احتياطاتها من الغاز الطبيعي نحو ( 26.7 تريليون متر مكعب ) يليها قطر وتركمانستان وأذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان والسعودية والإمارات العربية إلى التفكير بإيصال الغاز من خلال ألأنابيب إلى الدول المستهلكة وعلى رأسها أوروبا والصين واليابان والهند .

ولقد فكرت روسيا بعد بروز الخلاف مع أوكرانيا ووقف تصدير البترول بإيجاد بديل آخر يعرف بمشروع أنبوب غاز السيل الجنوبي يمتد من روسيا إلى بلغاريا عبر قاع البحر الأسود ومنها إلى دول شرق وجنوب أوروبا. وهناك خط منافس ثالث هو مشروع أنبوب ( نابوكو) تدعمه الولايات المتحدة واوروبا سوف يمتد من آسيا الوسطى إلى تركيا ( متجنبا المنابع والأراضي الروسية بالكامل ) وبلغاريا ورومانيا وهنغاريا والنمسا وألمانيا بالإضافة إلى إمكانية مشاركة كل من مصر والعراق وإيران في تصدير الغاز عن طريق تركيا .

الغاز في إيران والدول العربية وإسرائيل :

إن إكتشاف الغاز بكميات هائلة في العالم العربي وعلى رأسها قطر والسعودية والإمارات العربية وليبيا والجزائر ومصر ( في دلتا النيل ) والعراق ( المنطقة الغربية في الأنبار ) وإيران والجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا وعلى رأسها تركمانستان وأذربيجان وأوزبكستان وكميات النفط الهائلة في كازاخستان بحيث أصبح بحر قزوين اليوم محط أنظار كل العالم المهتم بالغاز بعد أن كانت روسيا تمثل المصدر الرئيس لتصدير الغاز. كما أصبحت تركيا من خلال شاطئها المتسع على البحر الأسود نقطة استراتيجية هامة تمر من خلاله معظم خطوط أنابيب الغاز المتصلة بأوروبا وبالذات القادمة من بحر قزوين

إن ما تردد من الأنباء حول إكتشاف كميات كبيرة في الشواطىء الشرقية للبحر الأبيض المتوسط المتاخمة لغزة ولبنان وسوريا وقبرص وإسرائيل بالإضافة إلى اكتشاف حقول الغاز في سوريا كان أحدثها حقل ( قارة) قرب الحدود اللبنانية بالإضافة إلى حقل جديد في طرطوس على البحر الأبيض المتوسط وبالرغم من التعتيم الإعلامي السوري على هذه الإكتشافات إلا أن الكميات المكتشفة هي كميات ضخمة جدا وكان قد تم توقيع اتفاقية بين روسيا وسوريا لبناء مصفاة غاز في تدمر منذ عام 2007 .

كما أن اكتشاف الغاز في إسرائيل عام 2009 في حقل تامار بتقدير 8.3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة بالإضافة إلى اكتشاف حقل جديد بالقرب من حقل تامار تشير التقديرات الحالية أن احتياطي الحقل الجديد يبلغ 17 تريليون قدم مكعب من الغاز . بالإضافة إلى إكتشاف أحد أكبر حقول الغاز البحري في لافياتان تصل تقديراته الى 16 تريليون قدم مكعب أي يكفي هذا الحقل متطلبات إسرائيل لمائة عام مقبل. هذه الإكتشافات الجديدة وضعت إسرائيل على قائمة الدول من أجل تصدير غازها إلى أوروبا وهي تحاول جاهدة منع وصول الغاز الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال الموانىء السورية أو اللبنانية مرورا بالعراق . ولقد تم الإعلان بتاريخ 3/5/2013 عن البدء بإنتاج الغاز في حقل تامار وأن إسرائيل على استعداد لتصدير الغاز إلى الأردن وتركيا ومصر.

إن الدول الأوروبية لا تريد أن تعتمد اعتمادا كليا على الغاز الروسي فهي تدرك أن روسيا قد تتحول من خلال غازها وبترولها إلى دولة مؤثرة ومسيطرة سياسيا وإقتصاديا وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وترفضه دول حلف شمال الأطلسي . فأوروبا تبحث عن مصادر جديدة تبعدها عن الأحتكار الروسي .

من هنا ظهرت الحاجة الملحة إلى بناء شبكات متعددة من أنابيب الغاز تربط الدول المصدرة بالدول المستهلكة.

ولا أحد يعلم حتى هذه اللحظة هل هناك أي مباحثات سرية بين روسيا والصين وبين الصين وكازاخستان لبناء أنابيب نقل للنفط الكازاخستاني والغاز الروسي إلى الصين علما بأن الولايات المتحدة تبذل كل جهودها من أجل بناء أنبوب غاز من تركمانستان إلى أفغانستان والباكستان والهند نظرا لحاجة الهند إلى كميات كبيرة من الغاز.

كما لا يعلم أحد عن مدى ما وصل اليه الإتفاق السابق القاضي ببناء أنبوب غاز من إيران ومن خلال العراق إلى سوريا . علما بأن حقل فارس الجنوبي للغاز يمتلك احتياطيا كبيرا يمتد على مساحة كبيرة وينقسم بين قطر وإيران في الخليج العربي ويعتقد أنه من أكبر حقول الغاز في العالم. من هنا وضعت أمريكا قواعدها العسكرية والجوية في قطر وفي الدول العربية المجاورة لحماية مصادر الطاقة الجديدة والسيطرة عليها متمثلة بالغاز العربي ومنع إيران من محاولة فرض سيطرتها على الحقول المشتركة . وإن فرض الحصار على إيران ومنعها من تمديد أنبوب الغاز عبر العراق إلى الشواطىء السورية سوف يساهم في تعزيز دور قطر كمصدر للغاز على المسرح العالمي بعد روسيا.

علما بأن إيران كانت قد أعلنت في شهر أيار عام 2009 البدء بإنشاء خط أنابيب عملاق بطول 1740 كيلو متراً من حقل ( فارس الجنوبي ) إلى تركيا فاليونان فإيطاليا ثم لدول أوروبية أخرى. كما أعربت إيران عن رغبتها في تصدير إنتاجها من الغاز عبر خط ( نابوكو ) وهناك مباحثات سرية تدور حاليا بين إيران وبين الإدارة الأمريكية بعد فوز باراك أوباما بالرئاسة الأمريكية لفترة ثانية. ولقد أعلنت إيران قبل شهر اتفاقها مع الباكستان لبناء خط أنبوب غاز يتم من خلاله تزويد الباكستان بالغاز الإيراني .

كما أن هناك خطط لبناء أنبوب غاز من قطر إلى الأردن على أمل ربطه بأنبوب الغاز المصري والتفاوض حول إمكانية ربطه بأنبوب الغاز بين ليبيا وبين إيطاليا. علما بأن هناك سيناريو آخر يتمثل في مد أنبوب غاز إلى بانياس في سوريا على أمل التوصل إلى بناء أنبوب غاز تحت البحر الأبيض المتوسط بعد الإتفاق مع كل من لبنان وقبرص وغزة وإسرائيل على الصيغة القانونية لمثل هذا الأنبوب .

في عام 2008 قدم الإتحاد الأوروبي عرضا لنيجيريا والتي تمتلك سابع احتياطي غاز على مستوى العالم لإنشاء خط أنابيب يعبر الصحراء من نيجيريا مرورا بالنيجر فالجزائر إلى اوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط . وسوف يزيد هذا الخط في زيادة صادرات الجزائر من الغاز من 62 مليار متر مكعب سنويا الى 85 مليار متر مكعب سنويا يتم تصديرها حاليا من الجزائر إلى إيطاليا عن طريق أنبوب ( ترانسماد ) وهناك مباحثات لربط الجزائر بإسبانيا بواسطة أنبوب ( ميدغاز ).

كثيرون يجهلون أن السعودية قد اكتشفت الغاز عام 1989 بنوعية جيدة في جنوب الرياض وفي عام 2000 تم تدشين معمل غاز الحوية بسعة إنتاجية تبلغ 1.6 مليار قدم مكعبة من الغاز الغير مصاحب في اليوم وفي عام 2004 تم افتتاح معامل الإنتاج في القطيف وأبو سعفة بطاقة إنتاجية للغاز المرافق تصل إلى 370 مليون قدم مكعب في اليوم. ولقد تم الإعلان عن إكتشاف كميات كبيرة في منطقة البحر الأحمر وفي شمال المملكة في الجلاميد شرق مدينة طريف. وفي الربع الخالي. وقد بلغ احتياطي الغاز الطبيعي 283 مليار قدم مكعب .

كما أن الإمارات العربية المتحدة تعتبر من أكبر الدول المصدرة للغاز وهي تأتي في المرتبة الخامسة بعد روسيا وإيران وقطر والسعودية حيث يبلغ مخزونها من الغاز 212 تريليون قدم مكعب ولا زالت هناك حقول غاز غير مكتشفة

ونحن لا نستطيع أن نؤكد أو ننفي كون الغاز أحد العوامل الهامة في محاولة القضاء على النظام السوري وإيجاد نظام بديل موال لكل من قطر والسعودية ومعاد في نفس الوقت إلى إيران لمنع أي إتفاق لإيصال الغاز الإيراني إلى شواطىء البحر الأبيض المتوسط في الوقت الراهن.

إن تغيير النظام في إيران أو التوصل إلى إتفاق مع الإدارة الأمريكية الجديدة وإغلاق ملف إيران النووي يعني إمكانية إيصال الغاز الإيراني وهو يمثل مع قطر ثاني أكبر مخزون استراتيجي للغاز في العالم إلى كل من أوروبا عن طريق تركيا أو عن طريق البحر الأبيض المتوسط كما أنه يعني في نفس الوقت إيصاله إلى الهند وهي من أكثر الدول المستهلكة للطاقة عن طريق أفغانستان والباكستان .

والتساؤل الآن هل تمكنت الدول العظمى من التوصل إلى إتفاق يتم من خلاله توزيع مصادر الطاقة الجديدة المتمثلة بالغاز وهل تم التوصل إلى رسم استراتيجية جديدة يتم من خلالها القضاء على الأنظمة التي تعارض بناء خطوط أنابيب الغاز ليس فقط من الدول العربية وإنما من بحر قزوين ونيجيريا والتساؤل الأهم ما هي أفضل الخطوط لهذه الأنابيب للوصول إلى أوروبا والهند والصين وهل سيكون الغاز في الشواطىء الشرقية للبحر الأبيض المتوسط بداية للتعاون بين إسرائيل ودول الجوار أم أنه سيكون محور صراع جديد تريد إسرائيل من خلاله فرض نفوذها واستغلالها لهذا الغاز .

بالرغم من ظهور الغاز كمصدر هام للطاقة إلا أن اعتماد دول العالم سوف يستمر لسنوات طويلة على النفط وبالرغم من تعدد مصادر الطاقة وتقدم تكنولجيا الطاقة فإن النفط سيظل المصدر الرئيس للطاقة في العالم.

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات