تعليق على قرار المحكمة الدستورية الموقرة... الحكم رقم 2 لسنة 2013
صدر الحكم رقم 2 لسنة 2013 عن المحكمة الدستورية الموقرة حول عدم دستورية المادة 51 من قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001 حيث أن تلك المادة, كما يقول القرار, تمس روح الدستور ومبادئه بعدم مساواتها بين الخصوم ومنح أحدهم درجة تقاضي إضافية ومنعها عن الطرف الاخر, وبهذا تكون مخالفة لأحكام المادة 6\1 من الدستور التي تنص: "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا بالعرق أو اللغة أو الدين". إضافة إلى ذلك فإنها, أي المادة 51 من قانون التحكيم, مخالفة أيضا للمادة 128\1 من الدستور التي تنص: "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها".
وعلى العموم فلنا على هذا القرار الملاحظات الآتية:
أولاً: إن قانون التحكيم الأردني رقم 31 لسنة 2001, قد ابتني على قواعد القانون النموذجي للاونسترال الصادر عام 1985 والمعدل في العام 2006, وكانت الغاية من تلك القواعد هي النزول عند رغبة الأطراف المتنازعة لحل قضاياها ومشاكلها بعيداً عن القضاء وإجراءاته من خلال التحكيم. والغاية ذاتها متواجدة في نصوص قانون التحكيم الأردني, حيث أن التحكيم ما هو إلا إجراء لتسهيل حل المنازعات في القضايا ذات الطبيعة التجارية على مستوى عالمي وبعيداً عن غرف القضاء.
ثانياً: من ذلك يتضح أن التحكيم غالباً ما يكون بين طرفين أحدهما أجنبي عن البلد الذي يكون فيه تنفيذ العقد, ويكون هذا في العقود مع الشركات الأجنبية وبنسبة مئة في المئة التي, وبسبب عدم معرفتها الكافية بالقوانين الوطنية, تقوم بوضع نص في عقودها يتم من خلاله حل كل منازعاتها من خلال التحكيم وبالصورة التي تراها مناسبة لتشكيل لجنة التحكيم ولإجراءاته ومكانه واختيار القانون الواجب التطبيق على النزاع ولغته, كل ذلك على وفق قانون التحكيم الاردني وباتفاق الطرفين وبذلك جارى القانون الأردني أحدث القواعد العالمية في أصول التحكيم.
ثالثاً: ولما كان ذلك كذلك وأن الأردن قد تبنى القواعد النموذجية العالمية في التحكيم فإنه أصبح مؤهلاً لأن يكون مركزاً إقليمياً أو حتى عالمياً للتحكيم وما لذلك من أهمية قانونية واقتصادية للأردن إلا أن قرار المحكمة الدستورية الموقرة جاء ضد روح قانون التحكيم الأردني ووأده, إذ أرجع المتنازعين في التحكيم إلى القضاء الأردني, وهذا ما يخالف روح القانون وإرادة المتنازعين الحرة في اختيار إجراءات التحكيم وقانونه.
رابعاً: إن المادة 51 من قانون التحكيم الاردني والتي تنص على: "إذا قضت المحكمة المختصة بتأييد حكم التحكيم وجب عليها أن تأمر بتنفيذه, ويكون قرارها في ذلك قطعياً. وإذا قضت ببطلان حكم التحكيم فيكون قرارها قابلاً للتمييز خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي للتبليغ, ويترتب على القرار القطعي ببطلان حكم التحكيم سقوط اتفاق التحكيم"، لا تتماشى حتى مع قواعد القانون النموذجي للاونسترال حيث لا مثيل لها في تلك القواعد, لأنها, أي المادة 51 من القانون الأردني, أرجعت المتنازعين في التحكيم إلى درجة من درجات التقاضي وهذا مناف لروح فلسفة التحكيم.
إن الطريقة الوحيدة للطعن في قرار التحكيم هو طلب الالغاء, حيث نصت الفقرة 1 من المادة 34 من القواعد النموذجية على أنه: "لايجوز الطعن في قرار التحكيم أمام إحدى المحاكم إلا بطلب إلغاء يقدم على وفق الفقرتين 2 و 3 من هذه المادة" والفقرتان 2و3 أشارتا إلى الحالات التي يجوز فيها طلب الطعن بالإلغاء والمدد الخاصة بذلك علماً بأن نص المادة 51 من القانون الأردني يخالف, إلى حد ما, نص المادة 49 من القانون ذاته, وهذه مسألة أخرى.
خامساً: ولما اتضح الآن أن التحكيم يتضمن, في غالب قضاياه، عنصراً أجنبياً, ولما اتضح الآن أن الطرفين المتنازعين في التحكيم قد اختارا التحكيم لحل منازعاتهما بعيداً عن الإجراءات القضائية وبإرادتهما الحرة، فنخلص من ذلك إلى أن التحكيم جاء استثناءا على القواعد العامة والاستثناء لا يتوسع فيه ولايقاس عليه، وبالتالي تكون المادتان 6\1 و 128\1 من الدستور الأردني غير منطبقتين على منازعات التحكيم لأنها تتضمن عنصراً أجنبياً في الغالب من قضاياها, كما أن الطرفين المتنازعين قد اختارا بإرادتهما الحرة هذا الطريق وتنازلا عن كل ما هو مرسوم من إجراءات في القوانين الوطنية وحجتنا في ذلك أن المادة 6\1 من الدستور الأردني حصرت التساوي أمام القانون على الأردنيين دون الأجانب، أما التحكيم ففيه عنصر أجنبي وفيه إرادات حرة في التمسك بإجراءات وقوانين التحكيم والتنازل الضمني عما هو مرسوم من إجراءات في القوانين الأخرى.
سادساً: إن قرار المحكمة الدستورية الموقرة أرجع المتنازعين في التحكيم إلى القضاء وبذلك يكون قد نسف من الأساس فكرة أن يكون الأردن مركزاً للتحكيم العربي أو العالمي، حالياً أو مستقبلاً, لأن المتنازعين في التحكيم لا يرغبان أساساً في اللجوء إلى القضاء, وما ذهبا إلى التحكيم ابتداءً إلا لتجنب الإجراءات القضائية, حيث لا توجد شركة أجنبية, من أي نوع, ترغب في حل منازعاتها من خلال القضاء إلا نادراً جداً وفي حالات معينة حصراً وبالتالي يكون القرار أعلاه ضد روح وفلسفة التحكيم سواء من خلال نصوص القواعد النموذجية العالمية أو من خلال قانون التحكيم الاردني.
سابعاً: أقترح, وبكل تواضع واحترام, على الجهات العليا ذات العلاقة في المملكة الأردنية الهاشمية, كمجلس النواب الموقر تشكيل لجنة من المختصين, القانونيين, الاقتصاديين, أصحاب الأعمال, وغيرهم, لدراسة قرار المحكمة الدستورية الموقرة في ضوء القواعد النموذجية العالمية للاونسترال ومواد قانون التحكيم الأردني, وخاصة المادتين 49 و 51, لإعداد دراسة تحليلية وتوضيحية لهذا الموضوع, آخذين بنظر الاعتبار التطبيقات التحكيمية في مراكز التحكيم العالمية, ليسترجع الأردن مكانته في أن يكون مركزاً للتحكيم العربي والعالمي إن شاء الله.
* محاضر في كلية الحقوق الجامعة الأردنية وفي كلية الشريعة والحقوق جامعة العلوم الإسلامية العالمية.