فيزا للألفية الثالثة!!

كان العالم الاكثر تقدما قد بدأ يتهيأ لدخول الالفية الثالثة قبلها بعقود، والامريكيون على سبيل المثال اصدروا العديد من الكتب منها توقعات علمائهم عن مستقبل هذا الكوكب بعد قرنين، لكن هناك مجتمعات دخلت الى هذه الالفية محمولة على نقالات، والسليم منها دخل وهو يتوكأ على عكازين.
وكان بول كندي الذي تحدث هو الاخر عن العقود الاولى من هذا القرن قد خصص للعرب مساحة لا تليق بعشر عددهم وواحد بالمئة من ثرواتهم اضافة الى واحد بالاف من المواقع الجغرافية التي يعيشون عليها، وثمة الان صراع سري بين من يعيشون ما قبل الحداثة وما قبل الدولة وبين من يعيشون بعدهما لهذا فالتفاهم شبه معدوم، وهو اقرب الى ما يسمى مسرح اللامعقول الذي كتبه بيكت ويونسكو واخرون.
ان الظاهر المتمدن سواء تمثل بالازياء او العمران او اقتناء منجزات التكنولوجيا يوهم المستهلك والتابع بانه شريك، والحقيقة انه رهينة لكل شيء بدءا من ثقافته العشوائية الملفقة حتى قطع الغيار للادوات التي يستهلكها!
كم اشفق على نفسي وعلى الاخرين من حولي عندما اتورط بقراءة شيء ولو كان يسيرا من منجزات العلوم الحديثة خصوصا في مجال الانسانيات، والحفريات الحديثة تذهب الى الجذور في معالجة قضايا وظواهر لا نرى منها اكثر من الجزء الناتئ من جبل جليد غاطس في المحيط.
حتى المحاصيل ومنها الزيتون والقطن والكاكاو اصبح لها علم نفس خاص بها يتحدث المشتغلون فيه عن ايقاعات الحياة الموسمية لدى زارعي هذه النباتات، وهناك من يستفيدون اقتصاديا وثقافيا وحتى شعريا من منجزات فرويد ودارون وانيشتاين ونحن لا نزال مختلفين حول يهودية هؤلاء او كفرهم او جنونهم، لان المستقيمات في حياتنا تتلاقى وتتقاطع، وما نجهله عن انفسنا اضعاف ما نجهله عن الاخرين.
قبل ستين عاما كتب توفيق الحكيم توقعاته عن عام الفين وقال انه سيكون يوتوبيا يسعد فيها البشر.
لكن جورج اورويل حشد توقعاته في رواية حملت عنوان 1984 وكتبها عام 1948 فاصبح المشهد معكوسا، تحققت نبوءات اورويل في بلادنا وتحقق شيء من نبوءات الحكيم في الغرب.
ذلك ببساطة لاننا لانزال نفكر بقلوبنا ونشطر الناس الى متفائلين ومتشائمين وكأن المستقبل اوراق نصيب، رغم ان الدراسات المستقبلية التي بدأت منذ زمن طويل حددت تعريفا للمستقبل بعيدا عن قراءة الطوالع وحثالات القهوة في الفناجين، انه حاصل جمع ممكنات الحاضر لهذا لن يفاجئنا بمعجزات ولن تطرح شجرة الصبير برتقالا ولن تلد القردة غزالا او عصفورا.
وان المرء ليعجب من هذا الاصرار لدى العرب على استمرار وضع العجين في الاذنين وما تعصب به البغال حول السواقي كي لا يصيبها الدوار على العينين، واحيانا اشك في ان التمثال الذي لا يرى ولايسمع ولا يرى هندي، انه عربي بامتياز صحراوي.
واكثر من هذا كله ثمة عقاب لمن يرى لهذا فقئت عينا زرقاء اليمامة، وعقاب للاعمى اذا قرر ان يستبدل البصر بالبصيرة كما حدث لطه حسين.
ان الماعز والدجاج والسلاحف التي ولدت او فقست في الهزيع الاخير من الليلة الاخيرة في عام 1999 دخلت الى الالفية الثالثة ايضا لكن لتذبح او تموت فيها!! ( الدستور )