رحيل فياض بين تعميق الأزمة و انفراجها !
تحققَ لقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – في نهاية المطاف مطلب رحيل الدكتور سلام فياض رئيس وزراء حكومة السلطة الوطنية والذي دأبت مؤخراً على المطالبة به ، بعد أن وضعت كل أزمات الوضع الفلسطيني على ظهر الراحل الذي قام بتقدم استقالته للرئيس محمود عباس مطلع هذا الأسبوع الجاري بعد اصراره على أن يرحل تاركا لهم الجمل بما حمل .
بيانات حركة – فتح – وتصريحات كبار مسؤوليها حَملت المستقيل فياض كامل المسؤولية عن تردي الأوضاع الإقتصادية ، وعن الديون الهائلة التي تغرق بها السلطة الوطنية ، وعن عدم القدرة على دفع رواتب جيش الموظفين الذي تعج به وزاراتها ومؤسساتها المختلفة ، وهذا ما جاء نصاً في التصريحات الرسمية التي أدلى بها السيد أمين مقبول أمين سر المجلس الثوري للحركة ، والتي أكد فيها أيضا على أن الحركة مرتاحة جداً لهذه الإستقالة .
وهنا ، وقبل الذهاب إلى أية تفاصيل ، لا بد من التأكيد على أن شعبنا الفلسطيني هو الطرف المغيب عن كل هذه التطورات والأحداث ، فلم يعد يراجعهُ أو يستشيرهُ أحد لا في سياسة ولا في إقتصاد ، وكأنه شعب لإحدى جمهوريات الموز التي لا حارس ولا راعي لها ، لكن شعبنا وبوعيه الفطري يعلم جيداً كيف بدأ سلام فياض رحلته الحكومية ، ويعلم أيضا ماهية أسباب وتبعات هذا الرحيل ، وبغض النظر عن السعادة الظاهرة في تصريحات الحركة وقيادتها لهذا الإنتصار الذي تحقق على أيديهم .
العودة إلى تشريح سياسات الرئيس المستقيل ما عادت تسمن ولا تغني من جوع ، فهذه هي العادة العربية والتي ولدت من رحمها الحال الفلسطينية ، حيث أن المسؤولين يأتون ويرحلون بلا أدنى محاسبة على ما فعلوه ، وكل ما يتم إكتشافه لاحقاً يتم تحميله على ملفات الفساد الإداري والمالي والتي لو جرى بسطها لغطت مساحة هذا الوطن العربي عموما ، ومن هذا المنطلق وبالرغم من كل خصوصيات الوضع الفلسطيني إلا أنه لم يشذ عن هذه القاعدة وللأسف ، بل هو في إنسجام تام معها .
سريعا إنطلقت التكهنات فيما يخص ما ستحمله الأسابيع القليلة القادمة على صعيد البديل ، وبدأت بورصة الأسماء عبر تناول العديد من الشخصيات وصولا إلى من يقول بأن رئيس الوزراء القادم قد يكون الرئيس عباس شخصياً و الذي قد يتولى رئاسة حكومة الوفاق الوطني بموجب إتفاق سابق جرى توقيعه بين الحركتين فتح وحماس ، وذلك ضمن حلقات مسلسل مباحثات المصالحة التي لم يكتب لها أن ترى النور بعد ، ولكن وبغض النظر عن الأسماء ومؤهلاتها ، فإننا نسجل على الذين يخوضون في الموضوع وبهذه الطريقة شبهاً لمن يصرون على الإبحار فوق سطح المياه الضحلة التي لا تقوى على حمل مركب شراعي صغير .
قلة قليلة هي التي باتت تطالب بضرورة الغوص إلى أعماق الأزمة التي أصبحت تعاني منها القضية الوطنية وعلى أكثر من صعيد ، فالمسألة ليست أسماء أو مؤهلات ، فحركة – فتح – هي المسؤولة عن كل هذا الذي يجري ، فهي التي وضعت الدكتور فياض في وزراة المالية ،وهي التي فتحت له الطريق نحو كرسي رئاسة الوزراء ، وهي التي كانت تملي عليه كل صغيرة وكبيرة ، وعندما تضاربت المصالح إرتفعت أصوات المطالبين برحيله وتحميله كامل المسؤلية وعلى طريقة كبش الفداء ، لا نقول ذلك دفاعا عن الراحل المستقيل فهذا شأن آخر، ولكننا نقول ذلك إنصافا لفلسطين وقضيتها التي تتقاذفها الرياح العاتية من كل حدب وصوب .
أما آن لنا أن نفيق من هذا الوهم ، ومن سراب الحلول والأنفاق المظلمة التي ضعنا بداخلها ، ومتى سيبزغ الفجر الذي يمكن أن تعود معه هذه الثورة إلى جادة الصواب الفعلي الذي لن تستقيم مساراته إلا بالنضال والمقاومة ، فرئيس السلطة يطوف أرجاء الدنيا ثم يعود خالي اليدين ، ورئيس وزراءه المستقيل أغرقها في مستنقع أربعة مليارات من الديون ، وكل الفصائل والحركات لم يعد لها من اهتمام سوى العزف على أوتار أزماتها الخاصة بعد أن هجرت الشعب ، وأدارت الظهر له ولمصالحه الوطنية الفعلية والحقيقية .
الطرف الأمريكي الذي أعلن عدم رضاه عن هذه الإستقالة متهم بالتدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي ، ولندن عاتبة ومنزعجة من قبولها ، وباريس إعتبرت الإستقالة خطوة متسرعة وستلحق الضرر بالإقتصاد الفلسطيني ، وبنك النقد الدولي مصدوم ومندهش ، وهكذا فالمهم أن لا يكون في افاق التحرك الفلسطيني أى جديد حتى تظل " إسرائيل " هي المستفيد الأول والأخير من كل هذا الصخب الفارغ الذي بات ملازما للقضية كظلها ، فالأزمة الوطنية تسيرنحوالمزيد من التأزم ، وكل من يرى أن الإنفراج قد تحقق عبر الإستقالة ما هو إلا واهم وحالم ، المؤكد أن اليومَ الذي ستُعلن فيه فلسطين براءتها من هذا القرع على الطبول الجوفاء أت لا محالة .