آباء بين الشكر والعتاب!

تم نشره الثلاثاء 23rd نيسان / أبريل 2013 01:19 صباحاً
آباء بين الشكر والعتاب!
خيري منصور

في زمن مقلوب، تعتذر فيه الشمس للوطواط، ويمشي الناس على رؤوسهم حيث تعلو العيون على الحواجب، ويحدقون في التراب بدلا من الفضاء، يصبح الاباء الذين يستحقون الشكر والعرفان بحاجة الى شيء من العتاب.

وعلى الابن ان يشكر اباه ولا يعتابه اذا ربت على كتفيه في طفولته لانه سرق ممحاة زميله، او اذا سمعه يقول لاخته ان جعت عليك ان تأكلي بثدييك. او اذا سمعه يحذه من زراعة الرجال لانهم اذا كبروا يخلعونه!

اما الاباء الذين قبضوا على جمر كرامتهم ولم تنكسر عيونهم وعلموا ابناءهم ان الموت يصبح غنيمة اذا كان الخضوع هو الحياة، فهم يستحقون من ابنائهم العتاب لانهم ورطوهم في زمن لا خبز لهم على موائده، ولديهم من فائض ماء الوجوه ما يقيهم شر الارتهان ولو كان هؤلاء الاباء الذين عفوا عن جثث تكالبت عليها الضباع يتوقعون ما ينتظر ابناءهم من كمائن لربما وأدهم او ادخروا لهم من لحم اكتافهم ما يكفيهم ويحقق لهم الاستغناء.

وحين يصبح الاستثناء قاعدة فان كل منظومة القيم والمفاهيم تنقلب، ويصبح من يمتنع عن الشرب من نهر الجنون مجنونا بين عقلاء هم في الحقيقة بلا عقول.

وان المرء ليتساءل باندهاش اين ذهبت كل تلك الكتب والفنون والعقائد والفلسفات بحيث اعيد الانسان الى ما كان عليه في الغاب خلال نصف قرن فقط وهو الذي استغرقت رحلته من الكهف حتى هذا الزمن مئات القرون!؟

فهل كانت الاجنحة التي حلق بها الانسان من شمع كأجنحة ديدالوس وما ان اشرقت الشمس حتى ذابت وسقط مضرحا بدمه وماء وجهه ولعابه؟

ام كانت الثقافة كلها مجرد طلاء على قصدير ما ان لامسته الاصابع المعروقة حتى افتضح الصدأ الذي عشش تحته؟

اننا لكي نصدق ما نرى ونسمع علينا ان نجري غسيلا طوعيا للذاكرة او ان نبحث عن طبيب ماهر يعجل باصابتنا بالزهايمر، فما يحدث غير مسبوق وقد لا يكون ملحوقا لانه ما من انتهاك لم يحدث بعد فالضبع الذي يلعق امعاءه اذا اصيب بعيار ناري مزق احشاءه ينهي المسألة كلها، وما يبث من ثقافة برغماتية وميكافيلة يتحول برغمانوس وميكافيلي ازاؤهما الى قديسين بريئين هو تصنيع بامتياز، ومن يحذرون من التطبيع مع عدو افترس ارضهم واعمارهم يفوقهم احيانا ان التضبيع انكى من التطبيع، لانه يحول الكائن الادمي الى ضبع يتربص بما يتركه له النمر من جلد وعظم الفريسة.

الشيء الوحيد الباقي هو جملة من الاعتذارات يتقدم بها العشب الى الرمل والشمس الى الظلام والعالم الى الجاهل والربيع الى الخريف والدماغ الى الامعاء.

ما تبقى هو اعتذار الشهيد للجاسوس والعفيفة للبغي. والنسر للسلحفاة. وان لم يتدارك هذا الجنس البشري متوالية التقريد والتضبيع فان القادم لا يبلغه خيال ولا تستيطع اي زرقاء يمامة ان تحرزه، ولم يبق خارج الهجرة الا القبور والاشجار.

ومن يدري لعلهم يعدون لها خياما اضافية اذا قررت الرحيل!! ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات