سلالة عبدالدايم !

ليس مهماً الاسم، فقد يكون ابن عبدالمقصود أو ابن عبداللطيف أو أي من عبيدالله، انه بطل رواية لنجيب محفوظ حوّلت الى فيلم سينمائي بالأبيض والاسود بعنوان القاهرة 30، وهو شخصية نموذجية في الانتهازية بحيث لم يتورع حتى من القوادة بالمعنى الأخلاقي بعد أن انجزها بالمفهوم السياسي، فقد قبل صفقة غير أخلاقية عُيّن بموجبها مديراً لمكتب وزير، وهي ان يتزوج الفتاة التي فقدت عذريتها، لكن الباشا واصل علاقته بها في غرفة خاصة داخل منزل ابن عبد الدايم ذي القرنين، فقد كان يضبط خطواته وعودته الى البيت على ساعة السيّد الذي عينه زوجاً لعشيقته، لكن ابن عبدالدايم قبل ان يتورط بهذا المسار أحس باليأس وهو يرى طوابير المنافقين الأكثر منه مهارة في مسح الجوخ ولعق الاحذية اللامعة، وكان يردد عبارة واحدة كلما شاهد تلك الطوابير هي: اين ستذهب مع هؤلاء يا ابن عبدالدايم؟ لكنه أخيراً اتقن الحرفة، أو ما سماه الحطيئة في تاريخنا «المسألة» عندما قال لأحفاده أوصيكم بالمسألة، وهي ليست المسألة الشكسبيرية التي تتلخص في عبارة أن تكون أو لا تكون، بل هي باختصار فن الكدية والتسول.
وفي نهاية المطاف خسر ابن الدايم كالغراب المشيتين, وأصبح كالمنبت الذي لا شرفاً قطع ولا زوجة أبقى، فقد فاجأه والده القروي أثناء زيارته متلبساً بالقوادة، وقرر ان يعامله كميت، وعاد الى قريته ليخبر زوجته ان ابنها قد مات ودفن!
نموذج ابن الدايم عاش في كل العصور وتأقلم مع كل المتغيرات كفيروس رشيق، فهو يساري جداً بقدر ما هو يميني متطرف، وليبرالي بقدر ما هو راديكالي لأن المواقف بالنسبة اليه قبعات وان شئنا الدقة فهي أحذية تلبس وتخلع في أي وقت يشاء.
وكان سعد زغلول يسمي هذا النموذج وما هو على شاكلته اصحاب الملابس الداخلية النظيفة لأنهم يغيرونها عدة مرات في اليوم، وهي ملابس داخلية للرأس وليس للجسد!
لقد دفعت الشعوب العربية ثمناً باهظاً لما اقترفته سلالة ابن عبدالدايم لأن منهم الكاتب والجنرال ورجل الاعمال واحيانا الرئيس.
وقدم لنا هذا الموسم السياسي خلال عامين مشاهد لأبناء عبدالدايم تكفينا مؤونة البحث والتنقيب، لأن من سبحوا بحمد ولي نعمة خُلع استأنفوا التسبيح بحمد من خلعه والمذيع أو المذيعة اللذان كانا يصفان المخلوع بأنه الأنقى والاتقى والارحم والاكرم والاذكى، اطلقا هذه الصفات مجدداً على من جاء من بعده، لأنهما كسائر السلالة ايضا مجرد امتداد لمايكرفون ولا تتفوق هذه السلالة على الببغاء الا بشيء واحد هو مضاعفة تكرار الصدى.
بقي ان نقول لمن يستخدمون هذه الادوات المستعملة، ومن يصدقونهم ان موعدكم مع اكتشاف حقيقتهم قد لا يطول.. فهم الحديد المطاوع الذي يقبل المغنطة بسرعة، ويفقدها بشكل أسرع، لأنهم ديدان تستوطن الأحشاء!! ( الدستور )