وعود سخية ومشاريع حكومية

لا نشك لحظة في توفر الإرادة القوية والرغبة الصادقة والتصميم الأكيد عند رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور في تلبية الاحتياجات والمطالب لكل المحافظات، وقد كانت زيارته لمحافظة الزرقاء نموذجأً لذلك، حيث قدم الخطباء مطالب المحافظة التي لا نشك في أنها صحيحة ومحقة، ولكن كلفتها تفوق طاقة الحكومة التي تعاني من العجز وتعتمد على سخاء المانحين والدائنين.
سيزور الرئيس وطاقم الوزارة محافظات أخرى تباعاً ويستمع للمزيد من الاحتياجات والمطالب العادلة، ويعد بتحقيقها بقدر المستطاع. ولكن المستطاع قليل جدأً، فليس هناك من الموارد المتاحة للحكومة ما يكفي لتنفيذ ُعشرالمطالب التي سوف تسمعها الحكومة في كل محافظة.
في الوقت ذاته أدلت الحكومة ببيانها الوزاري في مجلس النواب، فكان أطول بيان في تاريخ الحكومات الأردنية، وكان زاخراً بالوعود والتعهدات التي تبدأ بكلمة سوف، ولكن المعروف أن تلبية جميع الأهداف المشروعة وتحقيق معجزة اقتصادية واجتماعية لا يحتاج للإرادة والوقت فقط بل للمال أيضاً.
المشاريع الرأسمالية التي تتحدث عنها الموازنة العامة لا تعني أن الحكومة ستقيم مشاريع صناعية أو تجارية أو تسويقية أو سياحية، فقد سبق أن مارست هذه النشاطات بفشل ذريع وانسحبت من هذه النشاطات منذ ربع قرن، وتركتها للقطاع الخاص. المشاريع التي تقصدها الموازنة هي مشاريع البنية التحتية كالطرق والجسور والسدود وبناء المدارس وتطوير مصادر الطاقة والمياه.
هناك نوعان من الإجراءات الحكومية، أولها بحاجة للأموال وهي غير متوفرة إلا بالقطارة، وثانيها بحاجة إلى قرارات إدارية وتشريعية تحقق النتائج الإيجابية المستهدفة؟ النوع الأخير له الأولوية، ويجب أن تستنفد كل الوسائل للإصلاح الذي يمكن أن يتحقق بقرارات إدارية وتنظيمية ورقابية، فهي أكثر ضرورة وأقل كلفة وأعلى مردودأً.
لا يستطيع الرئيس أن يواصل الدق على صدره والتعهد بالاستجابة لمطالب لا نهاية لها، لأن الإمكانيات محدودة، والفشل يؤدي إلى الإحباط وزعزعة الثقة بالحكومة وبرامجها ووعودها.
في يوم ليس ببعيد وعدت الحكومة المزارعين بالمساعدة في تسويق منتجاتهم، وأسست لهذا الغرض شركة التسويق الزراعي، التي فشلت بعد أن خسرت الملايين، واتضح أن الحكومة لا تصلح لعملية التسويق فتمت تصفية الشركة.
وفي يوم آخر ليس ببعيد أيضاً وعدت الحكومة المستهلكين بتأمين احتياجاتهم بعيدأً عن (جشع) التجار، فأسست الشركة الوطنية للامن الغذائي، وورطت القوات المسلحة بالمساهمة فيها وتولي رئاسة مجلس إدارتها، والنتيجة معروفة، فقد فشلت الشركة، وخسرت أضعاف رأسمالها، وتم مؤخراً تصفيتها اختيارياً. ( الرأي )