ثلاث ساعات في مخيم "الزعتري"

قبل أيام، امضيت أكثر من ثلاث ساعات في مخيم "الزعتري"، كان لدي انطباع بأن الأمر سيكون معقداً، فهناك مَن كان يتحدث حتى عن خطورة الزيارة، وأن قاطني المخيم عدوانيون. يبدو أن المبالغة في تناول الشأن السوري طالت المخيم الواقع خارج سورية.
يضم المخيم فقراء اللاجئين، فاللاجئ المقتدر يستطيع تحمل تكاليف التكفيل والسكن خارج المخيم في المدن والقرى. أغلب سكان المخيم قدموا من مناطق حوران ويتحدثون لهجتها، وهو ما وفّر لي أكثر من "كلمة سر" لسهولة التواصل مع من التقيتهم، فأنا من الرمثا، مركز الشق الأردني من حوران.
لا يحتاج المرء الى زمن طويل ليكتشف أن قاطني المخيم يتبنون موقفاً معارضاً للنظام، ولكن ذلك غير كافٍ لفهم مجمل الحالة، فغالبيتهم من لاجئي الأشهر الأخيرة، وهناك أسباب متعددة، أمنية واجتماعية واقتصادية، دفعتهم للّجوء.
وفق المتحدثين ممن التقيتهم، لم يكن أي من اللاجئين يعتقد أنه سيجد نفسه في مثل هذه الظروف. وبعكس الانطباع السائد عند الأردنيين، فإن الإخوة السوريين عاتبون ومتألمون من المواقف التي واجهوها على المستوى الرسمي والشعبي. إنهم مستاؤون من حس "التعالي" في التعامل معهم، ومن مستوى الاستغلال الذي يستمر حتى في المخيم. لقد أطلعوني على البضائع التي يتم الاتجار بها داخل المخيم، وبعضها من انتاج سوري، لكنهم يشترونها بأسعار عالية، فهم خاضعون لموردين من خارج المخيم، وأغلبهم أردنيون.
غير أن الظاهرة الأبرز، والتي يمكن ان أنقلها بكل ثقة، أن أغلب قاطني المخيم، لديهم رغبة واستعداد للعودة فوراً الى وطنهم. إن العودة وفق المتحدثين أصعب بكثير من القدوم. وعلينا أن نعرف أن اللجوء والعودة، لا يجريان عفوياً، والمشهد الذي نراه على الشاشات للاجئين يمشون في الطرق الترابية، لا يعني أن هؤلاء في حالة هروب غير منظم. إن هناك نقاط محددة، ويجري تنظيم الأمر بين "الطرفين". ولكن عودة أي منهم صعبة وخاصة بالنسبة للعائلات. وقد استمعت الى بعض القصص عن معاناة إثر محاولات فاشلة للعودة. ففي حالة العودة، فإن التنظيم وحده غير كافٍ، وهناك شروط أخرى.
أجواء المخيم مليئة بالقصص والإشاعات وأشباه الخرافات، فهم يتابعون ما يجري بالتفصيل، والسؤال عن الأخبار القادمة من "البلد" هو أول الكلام في أي لقاء بين أي اثنين.
غير أن أشقاءنا السوريين مُجدّين في حياتهم، وهم فعلاً "أبناء عيشة"، فهم حتى في ظروف المخيم الصعبة، سرعان ما نظموا أنفسهم، وبزمن قياسي تشكل "مجتمع المخيم"، فهناك سوق أقيم على عجل، لكنه يضم الآن مئات المحلات البسيطة، تقدم شتى السلع والخدمات، وبعضها صار قابلاً للتأجير، وصار لها أسعار و"خْلوات".
أعرف أن ثلاث ساعات لا تكفي لتقديم صورة معقولة عن المخيم، غير أن ما شاهدته يؤكد لي ملاحظة كنت قد سجلتها مع قدوم أول حالات لجوء سوري الى الرمثا، بأن هناك قدراً من "صناعة لجوء" حصل في الأزمة السورية، وقد لعبت فيها أطراف عديدة، تحت عنوان الدفاع عن الشعب السوري. ومن الواضح أن العملية تعقدت كثيراً الآن، ولا يمكن بأي حال إلا التضامن مع اللاجئ وخاصة إذا كان فقيراً. إذ، وكما هي الحال في كل الصراعات المشابهة، فإن الفقراء هم الذين يدفعون الثمن. ( العرب اليوم )