حتى لا تطاردنا عقدة المظلومية..!!

سواء أكانت “المظلومية” حقيقة ام وهما، فاننا ندفع الآن “ثمنها” بالكامل، وأسوأ ما تفرزه هذه “المظلومية” من كوارث حين تخرج من “عباءة” الطائفية، او حين تتحول “صراعات المذاهب” من سياقاتها التاريخية والفقهية الى “حروب” على تخوم السياسة.
في سوريا – مثلا- خرجت “الثورة” من رحم “المظلومية” فقد تحركت في لحظة احساس “بالغبن” مجاميع المجتمع هناك ولكي تسقط “عصا” الطاعة الذي ساقها عبر عقود طويلة لحكم “الطائفية” صحيح ان الاحساس لم يكن ذا نزعة “طائفية” آنذاك، لكنه تحوّل تحت وطأة الفرز الداخلي والاقليمي الى “ما يشبه” الحرب بين الطوائف.
في العراق –ايضا- صحا العراقيون بعد الاحتلال على “نشيد” المظلومية، وجرى تصميم “مشروع” سياسي ينتصر “للطائفية” التي نجحت في تسويق “المظلومية” فاعادت انتاج “المظلومية” على الطرف الآخر.. وها نحن اليوم نتابع فضلا آخر من فصول “المظلومية” في انتفاضات الشمال العراقي التي يخشى ان تتحول الى “حرب” طائفية.
المظلومية – بالطبع- كفكرة او كعقدة تاريخية تلازمت مع الشعور “بالاضطهاد” والاستبداد لم ترتبط بالشيعة فقط، وانما متدت افقيا وعموديا داخل مجتمعاتنا العربية، فقد اشتكت معظم الحركات “الاسلامية” مثلا سواء من مصر او تونس او ليبيا وغيرها من هذه “المظلومية” من جديد.. بحيث يتحول “المسكونون” بعقدة الاحساس “بالظلم” الى “مصدّرين” له، او عاجزين على الاقل عن تمكين “العدالة” التي تشكل افضل “مذيب” لعقدة المظالم، سواء تعلقت بمذهب سياسي او طائفة دينية او حتى بالمجتمع وما فيه من تعدديات.
في عالمنا العربي اليوم بدأت “صراعات” المظلومية بعضها خرج “بلبوس” طائفي وأوشك ان يتحول الى “حروب” اهلية وبعضها ظهر على صورة تجاذبات ومناوشات سياسية لكنه ضرب في عمق “المجتمع” وقسّمه الى معسكرات، وبعضه وجد في “الدين” ملاذا آمنا او في الصدام بين اتباع الاديان مجالا لانتقال العدوى.
افضل وصفة “لاجتثاث” عقدة المظلومية هي بناء فكرة “المواطنة” وتعميق معنى “الانتماء” للوطن، وتحرير السياسة من الاحتكار والتوظيف وسوء الاستخدام وازاحة التاريخ المثقل بالاخبار الحزينة عن الواقع والمستقبل وتاحة المجال للمجتمع الحرّ لكي يمارس وظيفته وابداعاته وتعميم قيمة “العدل” الذي هو اساس الحكم.
لكن يبقى واجب الذين انتقلوا من “المظلومية” -وهما كانت ام حقيقة- الى “المسؤولية” ان لا يتحولوا من ضحايا الى “جلادين” ومن مضطهَدين “بفتح الهاء” الى مضطهِدين “بكسر الهاء” وان يتعلموا من تجربة “الظلم” درس الانصاف وحكمة الائتلاف وجدوى البحث عن القواسم والمشتركات.
باختصار، لا نريد ان تطاردنا “عقدة” المظلومية” ولا نريد ان يصفي النخب صراعاتهم تحت هذه اللافتة على حساب وحدة مجتمعنا ومصالحها، او ان “ننفخ” في هذا “الكير” فتشتعل نيران الفتن في بلداننا التي قدّر لها ان تكون متعددة في اديانها واعراقها وطوائفها.. ومحمّلة ايضا “بإرث” تاريخي ثقيل من الحروب والصراعات والخيبات. ( الدستور )