ضبط المصطلحات

تم نشره الثلاثاء 30 نيسان / أبريل 2013 02:35 صباحاً
ضبط المصطلحات
عريب الرنتاوي

المتتبع عن كثب للحراك السياسي والدبلوماسي المتصل بالأزمة السورية والمحيط بها، يلحظ من دون عناء، أوسع وأعقد عملية “خلط للمصطلحات”، تجعل قراءة المشهد وفهم مواقف الأطراف والأفرقاء من الأزمة، عملية بالغة الدقة والصعوبة، وإليكم بعض الأمثلة لتوضيح ما نقول: حين تقول واشنطن، أن “الحل السياسي” ما زال هو الطريق الأمثل للخروج من الاستعصاء السوري، فهل يعني ذلك استبعاد الخيارات العسكرية، أم أن الحل السياسي يحتمل أشكالاً من “الجراحة العسكرية”، حل سياسي بوجود الأسد أم على أنقاض نظامه، هل يبقى النظام ويُستثنى رأسه ورئيسه؟، الإجابة عن هذه الأسئلة والتساؤلات قد تستنفد جميع فرص “الحل السياسي” وتكلف الشعب السوري، عشرات ألوف القتلى وأضعافهم من الجرحى والمشردين.

وحين تقول واشنطن ودول أخرى عديدة، أنها ليست بوارد التدخل العسكري في سوريا، وأنها لن ترسل جنودا الى داخل الحدود السورية، هل يعني ذلك أن هذه الأطراف عدم التدخل بوسائل أخرى، حربية كذلك، ولكن من دون التورط بحرب برية مباشرة، هل فرض منطقة حظر طيران، مستبعد في مثل هذه الحالة، هل يمنع هذا القول عدم تنفيذ ضربات جوية على طريقة يوغسلافية السابقة؟.

حين تقول واشنطن أنها ستفعل ما بوسعها لدفع الأسد لـ”تغيير حساباته”، يذهب المراقبون في شتى الاتجاهات والاستخلاصات، “تغيير الأسد” أم “تغيير حساباته”، تغيير حساباته للقبول بعملية سياسية انتقالية جدية، أم للقبول بالتنحي؟، هل تبدأ عملية “تغيير الحسابات” بالتنحي أم تنتهي إليه؟ وحين تقرع واشنطن وبعض العواصم مختلف نواقيس الخطر جراء تصاعد نفوذ “النصرة” والسلفية الجهادية” و”القاعدة” في سوريا، هل يعني ذلك أنها يمكن أن تخفف قبضتها على النظام، أو أن تكف عن محاصرته ومطاردته، هل يعني ذلك أنها ستغذ الخطى باتجاه حلول سياسية تبقي الدولة السورية بمختلف مؤسساتها الأمنية والعسكرية، أم أنها ستبقي على شعار “تغيير النظام” و”تغيير الحسابات”، وتبحث عن وسائل وأساليب جديدة، لمواجهة “خطر الجهادية المتفاقم في سوريا ومنها”، كيف تميز هذه الأطراف بين “خطر أمني” تشكله “القاعدة” وأخواتها، و”خطر عسكري” يشكل النظام، الأول تكتيكي والثاني استراتيجي بارتباطاته الإقليمية الممتدة من طهران إلى النبطية”؟، ولمن الأولوية التي ستُعطى في مواجهة هذين الخطرين؟.

وحين تتحدث كثير من الأطراف عن وحدة سوريا أرضاً وشعباً، هل يمنع ذلك من استمرار اللعب على “المكونات” بل والعمل على صياغة “فيدرالية طوائف وأقوام في سوريا” على الطريقة العراقية؟، كيف نفسر السعي الأوروبي لشراء النفط من كورد سوريا على غرار ما تفعل تركيا مع كردستان العراق، بم نفسر موجة المؤتمرات الأخيرة في لندن وباريس للأقليات في سوريا؟، بم نتحدث عن محاولات توسيع الائتلاف الوطني بضم ممثلين عن الأقليات، وربما على طريقة مجلس الحكم الانتقالي الذي حكم العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، ونظام المحاصصة الطائفية والمذهبية الذي استند إليه؟، ماذا تعني “الوحدة الوطنية” فيما الجهود تبذل بقوة لزيادة تدخل مسعود البرزاني وسمير جعجع ووليد جنبلاط، في لعبة الطوائف والمكونات والأقليات في سوريا؟.

وحين يتباكى الجميع من دون استثناء على مستقبل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا، فهل يعني ذلك أن داعمي المعارضة هم جميعاً أحفاد “الثقافة والتقاليد الأنجلو ساكسونية” الراسخة في قضايا الحرية والديمقراطية؟، ولماذا يجري “تلزيم” الملف السوري، لانظمة قمعية معادية للحرية والديمقراطية عقائدياً؟، لماذا يجري تسليم البلاد على طبق من فضة لقوى وتيارات، أقل ما يقال في وصفها، هو ما قاله بشارة الراعي (البطريريك) لفرنسوا أولاند: بعض محاربي الأسد أسوأ منه؟.

وحين يجري البحث و”النكش” بالإبرة والدبوس عن “ضحايا الهجمات الكيماوية” التي شنها النظام على شعبه، في موقعتين أو ثلاث مواقع، وأودت بحياة بضع عشرات من السوريين كما يقال، هل يعني ذلك أن قتل 70 ألف سوري بأسلحة غير كيماوية “مجاز شرعاً” أو “ذبحٌ حلالٌ” على حد تعبير أحد المعلقين، فيما مصرع بضع عشرات بالسلاح الكيماوي (على فرض حصول هذه الواقعة/ الوقائع)، هو خط أحمر، يستدعي حشد الجيوش واستنفار الحلفاء ونشر الجنود والمعدات الحديثة والتحضير لضربات جوية ومناطق حظر طيران، أية مسخرة هذه؟.

وحين تقوم الدنيا ولا تقعد، ضد تدخل “حزب الله” في الشؤون السورية الداخلية، وترتفع المطالبات بالحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها، ويطالب القاصي والداني بسحب الحزب لـ”جحافله” المقاتلة في لبنان، هل يعني ذلك ذروة غير مسبوقة في الغيرة على سيادة سوريا، وترك شؤونها الداخلية للسوريين، ماذا عن 40 ألف “مجاهد” أجنبي يقاتلون إلى جانب المعارضة، أو بالأحرى إلى جانب “النصرة” وفقاً لتقديرات الإبراهيمي، وثمة من يرفع العدد إلى 60 ألفا أو يهبط به إلى 30 ألفا، هؤلاء “مقاتلو حرية” جاءوا استجابة لنداء الظواهري والنفير الجهادي العام، أما مقاتلو حزب الله، فهم طلائع “ولاية الفقيه” المتقدمة، والتعبير عن الطموح الذي لا يقف عند حد، لاستيلاد “الهلال الشيعي” وإنقاذه من التشظي والانهيار، ماذا عن مشروع “الخلافة الإسلامية” أو “الدولة الإسلامية” العابرتين لحدود السيادة الوطنية والقومية.

أما حكاية “النأي بالنفس” فتلكم الطامة الكبرى، من ينأى بنفسه عن من وعن ماذا؟، النأي بالنفس، لا يمنع التدريب والتسليح والتهريب لهذا الفريق أو ذاك، النأي بالنفس يعني أن تتخذ موقفاً متوازنا من تدخل كل الأفرقاء في الأزمة السورية ميدانياً، النأي بالنفس، هي الانخراط بالنفس في أعمق دهاليز الأزمة السورية، ولكن من بوابتي النظام والمعارضة كما هي قصة لبنان مع “النأي بالنفس”.

لم يعد الركون إلى المصطلحات الفضفاضة والضبابية أمراً ممكناً، أولاً لأنها لم تعد ببساطة كافية للتعرف على مواقف الأطراف ومواقعهم، وثانياً، لأن الحكمة القديمة قالت: أنظروا إلى ما فعلت يداه، ولا تنظروا إلى الدمع في عينيه. أليس هذا هو واقع الحال في سوريا، ولنا بحث آخر في مسألة “ضبط المصطلحات” التي ينهض عليها الخطاب الرسمي السوري، فقد طال المقال واستطال. ( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات