العراق والقهر المزمن

مجزرة "الحويجة" أضافت صفحة سوداء إلى سفر العراق الأسود، المليء بالمجازر وحوداث الانتقام والعنف المتزايد الذي لم يتوقف، ولم تفلح "الديمقراطية" الجديدة في التقليل من عدد القتلى ولم تقلل من عدد المعتقلين والسجناء الذين يخضعون لأعتى صنوف التعذيب الوحشي المفضي إلى الموت في سجون النظام الطائفية!!
عشرون عاماً مضت على معركة احتلال العراق الذي تم تسميتها ظلماً وزوراً عملية تحرير العراق، التي أسفرت عن تمزيق الشعب العراقي، وتأجيج النزعات الطائفية والعرقية، ومصادرة كل ما لديه من أسلحة تقليدية وغير تقليدية، وتشريد الملايين، وملاحقة العلماء واغتيالهم، وتهيئة الدولة للانقسام والشرذمة، وتدخل دول الجوار.
"المالكي" الذي يقود الحكومة العراقية، كان لديه فرصة أن يعيد بناء العراق الموحد القوي، بعد أن يقوم برفع الظلم عن كل فئات الشعب العراقي وطوائفه، وبعد أن يفتح صفحة جديدة، يبيّض من خلالها السجون والمعتقلات، ويبدأ مرحلة العدالة الانتقالية التي يتم من خلالها إزالة الأحقاد والضغائن، ويشرع في معركة البناء والإنجاز بعيداً عن الروح الطائفية والمذهبية، وبعيداً عن نفسية الثأر والانتقام، ونبش قبور الفتن السوداء.
ما الذي قدمه المالكي وحلفاؤه للعراق وللشعب العراقي سوى زيادة منسوب الدم، ومضاعفة أعداد المعتقلين والسجناء والمعذبين والمشردين والذين يقضون حتفهم تحت سياط الجلادين وجلاوزة السجون القتلة، ورفع مستويات القهر والشعور بالظلم والعبودية، والتفرقة الطائفية والمذهبية، وزيادة حجم الفساد واتساع رقعته، وتفشي المحسوبية والرشوة، وتجارة المحرمات!!
لماذا أقدم المالكي على مذبحة "الحويجة" التي أسهمت إسهاماً كبيراً في حفر الخندق الرهيب العميق الأسود بين مكونات الشعب العراقي وهو يعلم مقدار حجم النقمة وحجم القهر الذي يملأ الصدور ومعرض للاستعمال بمجرد حكة عود ثقاب!! ولماذا استسلم لدعوات الانتقام ومشورات الحقد وتوصيات التعصب الطائفي البغيض، ولماذا لم يلجأ إلى أسلوب الحوار والتفاوض والاستيعاب، ولماذا لم يلجأ إلى سياسية تخفيف الاحتقان والمسح على الجراح بروح المسؤول الكبير بحجم العراق الكبير، ولماذا لم يتصرف بسعة الصدر التي يجب أن يتمتع بها كل من يقدم على استلام الحكم وممارسة المسؤولية في هذه الظروف الاستثنائية والحرجة؟!
لا يصلح لحكم العراق من يحمل روحاً طائفية، ولا كل من يحمل بين أضلعه نفسية الانتقام التي تتغذى على الحقد التاريخي الأسود ولا يصلح للحكم من جاء تحت تأثير نقل الظلم من فئة إلى فئة، ولا يصلح من جاء ليعلي شأن طائفة ويحط من شأن طائفة أخرى، ولا يصلح للحكم من جاء بعقلية استعادة تاريخ الفتن والمملوء بعقدة الاضطهاد.
ينبغي أن يعلم العراقيون جميعاً، بكل طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم أنه لا يمكن لفئة أن تعمل على إفناء فئة، وليس هناك من مفر سوى التعايش مع الاختلاف، وقبول الآخر عن طريق بسط العدالة والمساواة أمام القانون، والعمل الجمعي على بناء العراق الموحد القوي، القادر على استعادة دوره الإقليمي الإيجابي ولابّد للعراق أن يكون قلب العروبة النابض، ولابد لبغداد الرشيد أن تعيد دورها الحضاري عن طريق العلم والسير في معارج التحضر، ولابد للعقل العراقي أن يعيد بناء ذاته من أجل اللإسهام في نهضة العراق الحديثة ونهضة أمته العربية، وأن يصبح عامل قوة، وليس عامل ضعف وفرقة وتنازع في قلب الأمة العربية والإسلامية.
النزاع المذهبي لن يجلب إلاّ الضعف، والنزاع الطائفي لن يجلب إلاّ الفرقة، والنزاع العرقي لن يأتي بخير، وكل من يعتلي ركوبة التعصب الطائفي والمذهبي، فهو يسير في طريق الفشل المحتم وفقدان القوة وفقدان الأمل بالعيش الكريم. ( العرب اليوم )