أحجية «ما يُسمّى»!

لا ينافس مصطلح الارهاب على الغموض غير مصطلح الربيع العربي، فما إن يرد أي من المصطلحين في سياق صحفي أو اعلامي الا ويضاف اليه ما يسمى..
اذن ما هو؟ ان لم يكن متطابقاً مع هذه التسمية.
وأرجح ان الاعلام الذي يستخدم عبارات احترازية من طراز «ما يسمى» انما يسعى الى الفرار من المواجهة، فهو يضع قدماً هنا واخرى هناك، ويخشى من التورط كما يحدث لبعض الدول عندما تنتظر انقلاباً فان نجح هنأت الجنرال الذي قام به وان فشل هنأت النظام الذي تعرض للانقلاب!
وكانت بداية التهرب من تبني مصطلح الارهاب وأقرانه على الدوام بعبارة ما يسمى لاسباب تتعلق بالولايات المتحدة التي حولته الى ذريعة لعدة حروب، هذا اضافة الى ما حدث من التباس مقصود بين المقاومة والارهاب وكأن المفردتين مترادفتان ولهما الدلالة ذاتها.
بالطبع لا سبيل الى مثل هذا الخلط الا اذا كان الغربال المستخدم لفرز القمح عن الزؤان واسع الثقوب أو بلا ثقوب على الاطلاق. فالمقاومة مقاومة ولا شيء آخر خصوصاً عندما تكون رد فعل انساني ووطني وتاريخي على عدوان أو غزو.
والارهاب ارهاب ايضاً لكن ليس على طريقة من فسر الماء بعد الجهد بالماء، انه يصبح مطابقاً للتسمية عندما يستهدف مدنيين أو ينتهك حريات أو يعبر عن شهوة عدوانية غير مبررة على الاطلاق.
واذا كانت الحرية كما قيل في اعقاب الثورة الفرنسية قد ارتكبت جرائم وعبوديات باسمها، فالثورات كذلك ايضا، وأخيراً الارهاب الذي اصبح مشجباً ينوء بما يعلق عليه!
والطفل الفلسطيني الذي يقف تحت شجرة زيتون سقاها جده بدمعه وعرقه ورواها أبوه من دمه ليذود عنها منشار المستوطن ليس ارهابياً الا في القاموس الجديد الذي صدرت طبعته الاولى مع النظام العالمي الجديد، ومحاولة قطب واحد الاستحواذ على كوكبنا!
لهذا نرجو وباخلاص شديد من يقولون ما يسمى الربيع أو ما يسمى الارهاب أن يجدوا لنا أسماء حقيقية يرونها مناسبة لوصف هذه الظواهر، لان بقاء المصطلحات مائعة وحمالة أوجه قد يتيح لكل الجرائم ان ترتكب وتنسب الى مجهول.
والى ان يجود علينا فقهاء اللغة والاسماء بما يليق بالارهاب والربيع وسائر السلالة من المصطلحات نحن مضطرون الى فك الاشتباك بين الارهاب والمقاومة وبين الربيع والخريف وأخيراً بين المنجل الذي صنع لسنابل القمح وبين رقاب العباد!
لم يحدث من قبل ان سالت الكلمات على بعضها في القواميس وعلى الورق، لكأن المقصود بهذا الخلط هو التعميم الذي يعقبه بالضرورة تعويم للمفاهيم، بحيث لا يعود ممكناً الفصل بين حابل الثورة ونابل الفوضى وبين المقاوم والارهابي.
ما نخشاه هو تمدد هذا الفقه الذي يضيف «ما يٌسمى» للمصطلحات، بحيث تصبح فلسطين مثلاً ما يسمى فلسطين والعروبة ما يسمى عروبة، ولأن العرب الآن مستغرقون في غيبوبة لا يعلم غير الله ومن تسببوا بها متى تنتهي فان كل شيء متاح ومباح، فالسكين لا تعترضها حتى نواة تمرة في الكعكة الرخوة، لهذا يتحدثون عن التقسيم وكأنه لا يخصهم وانما سوف يحدث في المريخ أو الزهرة!! ( الدستور )