الشيوعيون في وسط عمان: صدمة المشهد سلباً وإيجاباً

تم نشره السبت 04 أيّار / مايو 2013 01:45 صباحاً
الشيوعيون في وسط عمان: صدمة المشهد سلباً وإيجاباً
أحمد ابوخليل

من سوء حظ الشيوعيين الأردنيين أن الانهيار الكبير في المشروع الشيوعي على المستوى العالمي تزامن مع الانفتاح الديمقراطي في الأردن قبل أكثر من عقدين، كان الشيوعيون قبل ذلك يتوعدون خصومهم ويتعهدون لأنفسهم ولأصدقائهم، بالمزيد من النضال في حالة العلنية الحزبية.

لقد أدى هذا التزامن الى حالة من الكآبة السياسية، فقد شعر الشيوعيون بالظلم والظيم الشديدين؛ فهم أكثر الأطراف نضالاً وتضحية في فترة الأحكام العرفية، لكنهم وجدوا أنفسهم على هامش الحياة السياسية بعد إلغاء هذه الأحكام فوراً. لم تتوفر لهم حتى ولو لحظة واحدة للانتشاء بالنصر. لقد شكلوا آخر معتقلي الأحكام العرفية، غير أنهم اضطروا الى الوقوف متفرجين و.. "مخنوقين" أو خَجِلين أحياناً.

مع هذا، لم تتوقف محاولاتهم خلال العقدين الماضيين لاستعادة حيويتهم السياسية. ولكن السنة الأخيرة شهدت محاولة يبدو أنها أخذت تثمر، ولا يعود السبب فقط الى مثابرة عدد منهم، بل إلى الظروف المستجدة سياسياً واجتماعياً في البلد والمنطقة والعالم، التي تدفع باتجاه البحث عن إجابات جديدة، وخاصة بعد "انكشاف" قصور الإجابة التي قدمها "الاسلاميون" الذين تصدروا العمل "الشعبي" طيلة عقدين.

ولهذا ربما سارع بعض مراقبي نشاط الشيوعيين الأخير للقول بأن هذا النشاط يأتي في سياق الحملة على الاسلاميين، وبعضهم يتحدث عن "صفقة". غير أن علينا أن نعترف بأن مجمل تاريخ الشيوعيين واليساريين والقوميين يخلو تماماً من صفقات من هذا النوع، بل إن الشيوعيين تحديداً رفضوا فعلاً عقد مثل هذه الصفقة في الفترة التي بدأ فيها الانقلاب في العلاقة بين الحكم والاخوان المسلمين: ففي عام 1986 كان أكثر من عشرين من قادة الحزب الشيوعي معتقلين، وتم عرض صفقة للافراج عنهم مقابل مساهتمهم في الوقوف بوجه الإخوان المسلمين، ولكن الشيوعيون ممثلين بثلاثة معتقلين هم يعقوب زيادين وفائق وراد وعيسى مدانات، رفضوا بالمطلق تكرار الممارسة التي سبق للإخوان أن قاموا بها فعلاً، لقد فضّل الشيوعيون العودة الى السجن، على أن يعقدوا صفقة ضد من كانوا خصوماً لهم في الشارع، ومن الغريب أن الاسلاميين لم يملكوا لغاية الآن، جرأة اعلان احترام مثل هذا الموقف، أو الاعتذار عن ممارستهم لنقيضه.

سوف أختصر، للوصول الى المسيرة التي أقامها الشيوعيون أول أمس بمناسبة عيد العمال، وهو المناسبة التي تشكل ماركة مسجلة للحركة الشيوعية.

هنا أرجو ان يسمحوا لي ببعض الملاحظات التي قد يصنفها بعضهم على أنها "لا تخدم" ويتوجب إخفاؤها، وذلك وفق تقليد شيوعي يتعين التخلص منه فوراً. إن الحقيقة وحدها هي التي تخدم، ولا يجوز التمويه إلا في مع الخصوم والأعداء.

كان مشهد المسيرة غريباً، لقد كان جميلاً في بعض الجوانب، لكنه غريب فعلاً. وبالمقارنة مع عشرات المسيرات التي قمت فيها بتتبع موقف المتفرجين، لم أشهد استغراباً في الوجوه وكثرة في التساؤلات، كما شهدت أول أمس. إن أثر سنوات انقطاع الشيوعيين التي تجاوزت العشرين كان واضحاً.

علينا أن ننتبه الى مسألة مهمة؛ فالمسيرة جاءت في وقت غير معتاد، وهو مساء الخميس، كما سبقتها في ظهيرة اليوم نفسه مسيرة أخرى مماثلة الى حد ما، وهو ما يعني إغلاقين للشارع في يوم عمل، بينما يعد الجمعة يوم عطلة (نسبياً) للسوق التجاري "الرسمي" ويقتصر النشاط فيه على السوق غير الرسمي (البسطات خاصة). هذا الأمر ألقى بظلاله سلبياً على موقف السوق من مسيرة الشيوعيين.

انقسم المتفرجون الى فريقين: بعض كبار السن، يعرفون الحزب الشيوعي وبعضاً من سيرته، وبالتالي كانوا "متفهمين"، بل إن أحدهم (في الستينيات من عمره) قال للمحيطين به: إذا شئتم إغاضتهم قولوا: يعيش حزب البعث. إنه كما يبدو استذكر جانباً من تاريخ الصراع السياسي في البلد. اما الشباب، فقد كانوا مندهشين، وعندما انتبهوا الى أن المناسبة هي يوم العمال، وسمعوا الهتافات حول الكادحين، كانوا ينظرون الى المشاركين في المسيرة، فيلفتهم غياب مظاهر العمل والكدح. وفي الواقع لقد كانت هذه الملاحظة هي الأبرز. إن التكوين البشري للمسيرة، كان مثيراً للانتباه، سلباً حيناً وإيجاباً حيناً آخر.

لم تنجح المسيرة في جذب أحد إليها، وذلك على عكس فكرة المسيرة في تقاليد الشيوعيين، وأنا هنا أدرك الظروف الخارجة عن إرادة الشيوعيين وغيرهم، ثم أن أغلب المسيرات الحالية لا تستقطب احداً من خارجها، بما في ذلك مسيرات الاسلاميين التي تنطلق من أمام المساجد، فما بالك بمسيرة للشيوعيين؟

كان الشيوعيون في المسيرة حريصون على استحضار صورتهم كجماعة، وقد هتفوا أكثر من مرة وبشدة انهم شيوعيون: "نعم شيوعيون، نقولها بقوة ووضوح"، لقد ظهروا وكأنهم يردّون على أحد ما، ولكن، على الأقل في تلك اللحظة، لم يكن هناك من يشكك أو يسأل. إنهم في الواقع كانوا يردّون على من يقول أن الشيوعيين انتهوا، ولكن هذا الرد في هذا المكان لم يكن مفهوماً، وقد سمعت تجاهه تعليقات سلبية.

لقد قدم الشيوعيون خلال تاريخهم الكثير فعلاً، ومن المؤسف أن أفضل وألمع ما قدموه، مما يمكن ان يكون مفيداً لمستقبل الوطن، لا يحظى باهتمامهم الآن مقارنة بأمور أخرى تتعلق بعلاقاتهم الداخلية كتنظيم، وهذا واضح في أغلب ما حاول بعضهم كتابته من مذكرات وغيرها.

اليوم، يمكن ان تقابل المئات ممن تكوّنوا في الحزب الشيوعي في شتى مواقع العمل والحياة، وسوف تجد نماذج مجدة ومحترمة، ولكن بالطبع الى جانب نماذج كشفت عن انتهازية من صنف غريب.

الحضور بمشهد فيه قدر كبير من "الفولكلور النضالي" الجميل، قد يكون مفيداً للتنظيم، او قد يصلح كأداة لتأكيد الحضور. ولا يجوز للشيوعيين الاكتفاء بما اعتادوا على تكراره من ان "التاريخ أثبت صحة موقفنا". لقد تغير المجتمع كثيراً خلال العقدين الماضيين، بل إن أفكاراً مثل: الشعب والكادحين والطليعة والحزب والطبقة، تبدلت في محتواها كثيراً. مع هذا فزاوية النظر الشيوعية من حيث الجوهر لا تزال مطلوبة بشرط الانتباه الى المتغيرات. إن استحضار "الخمسينيات" يفيد فقط على الصعيد التعبوي التنظيمي، ولا يجوز لوم الشعب والمجتمع إذا نسي ذلك، فخمسينيات القرن الجديد على الأبواب. ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات