حراكنا عنتر عبس

في لقاء عقده أحد الوزراء الأسبوع الماضي، في مدينة خارج العاصمة، لفت ممثلو إحدى الجهات المحلية انتباه الوزير الى أن أبناء مدينتهم لم يشاركوا مطلقاً في الحراك السياسي خلال العامين الماضيين، وذلك شعوراً منهم بحساسية الوضع الاقتصادي لمنطقتهم. وفي الأثناء قدموا للوزير بعض المطالب، وكان من الواضح أنهم يريدون من الحكومة أن ترد لهم "جمايل" عدم الازعاج.
الواقع أن اوساطاً كثيرة وصلت الى النتيجة ذاتها من وجود علاقة بين تحقيق المطالب و"الحراك". بعض الذين لم "يتحركوا" شعروا بأن الحكومة "تنساهم"، وقبل أشهر مثلاً، جمعتني جلسة مسائية مطولة مع عدد من متقاعدي شركة الفوسفات الذين اعتصموا لأسابيع أمام مقر الشركة، وقد جرى بينهم نقاش طريف؛ فبينما كان بعضهم يشير الى أنهم من مناطق "موالية" ترفض الأحزاب والاحتجاجات، كان آخرون يقولون أن هذا البعد عن الأحزاب والتحركات هو ما اوصلهم الى هذا الحال السيىء، وأن خطأهم يكمن في عدم اعتمادهم أسلوب الاحتجاج. وقد قال أحدهم أنه مما "حَزّ في نفسه" أن يزور اعتصامهم "حزبيون معارضون" ولا يزورهم مسؤولون رسميون، وأنه كان طيلة حياته يحمل اعتقاداً معاكساً.
بالمحصلة، اعتبر المتحركون أن انتشار ما سموه "ثقافة الاحتجاج" يعد إنجازاً، وهذا صحيح ولكن صحته غير نهائية. فبعد أكثر من سنتين نشأت ظاهرة جديدة: لقد تمت عملية إعادة توزيع للحراكات بين الكتل الاجتماعية المختلفة، والآن صار في البلد أكثر من صنف من هذه الحراكات: خشن وناعم، حراك لهدف مقابل حراك لذاته، حراك يستحق الانتباه وآخر صار معروفاً ومكرراً... وهكذا.
كان الناس يتحركون وفق قاعدة "نريد أكل العنب لا مقاتلة الناطور"، ولكن يخشى أن تؤدي قلة العنب الى تحول الناس الى مقاتلة الناطور كهدف لذاته بعيداً عن العنب. ( العرب اليوم )