جلسة مع البنك الدولي: يا للخجل!

أرجو من القارئ الكريم أن يتفضل بقراءة المقال الى آخره، لكي يتعرف الى صنف الخجل الخاص الذي أشرت اليه في العنوان.
ظهيرة يوم أمس حضرت جانباً من ورشة عمل مخصصة للاعلان عن تقرير "مراجعة سياسة التنمية في الأردن" أصدره حديثاً البنك الدولي. وسوف أؤجل الكتابة عن محتوى التقرير لأنه يحتاج لبعض التفصيل والقراءة المعمقة، وسأقتصر الكلام هنا على شكل النقاش.
حضر الجلسة عدد من الشخصيات الرسمية والأهلية المهمة والمحترمة، بعضها يمثل عدداً من القطاعات والمؤسسات. وهذا مفهوم، فالعنوان مهم وطرف النقاش الآخر (البنك الدولي) هو أيضاً مهم، وذلك في سياق العلاقة التي ارتضتها أغلب بلدان العالم المشابهة لنا، مع هذه المؤسسة الدولية.
قام موظف البنك الدولي (الدكتور اريك لو بورن) بتقديم عرض ملخص للتقرير، والدكتور (اريك)، بعد البحث عنه، هو شاب في الخامسة والثلاثين من العمر، يبدو عليه الجد والنباهة، فقد أنهى شهاداته العلمية العليا الثلاث خلال خمسة أعوام، وتخرج عام 2001، وعمل لمدة 11 عاماً في صندوق النقد الدولي/ مكتب أمريكا، تخللتها فترة في الفيلبين، لكن خبرته ذات العلاقة بمنطقتنا، من خلال عمله في دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، تبلغ ثمانية أشهر وتسعة أيام فقط (وهذا اليوم محسوب).
كل هذا مفهوم أيضاً، فالبنك له مطلق الصلاحية في اختيار موفديه، ثم أن التقرير معد من قبل فريق عمل كبير يضم خبراء وأكاديميين، ولا يوجد ما يمنع من أن يقدمه أي كان من المختصين، فأمر التقديم قد يكون مجرد مسألة فنية أو إدارية... لغاية هذه اللحظة، كل شيئ مفهوم.
لكن ما هو غير مفهوم ويدعو للخجل، أن الحضور انهمكوا في توجيه الأسئلة الجوهرية والكبرى للشاب اريك، الذي كان عليه أن يجيب على تفاصيل ويعطي توجيهات تتعلق بالاقتصاد الأردني، في الحاضر والمستقبل، وقد تقدم بالسؤال حولها مسؤولون وموظفون كبار (علماً وعمراً وخبرة). وبالطبع لو كان التقرير مجرد محاضرة أو وجهة نظر للمتحدث، لأصبح النقاش مقبولاً، لكنه تقرير يحتوي سياسات وإجراءات مع مدى زمني قصير ومتوسط.
لا اعرف المنطق الذي يتم فيه قبول هذا الشكل من النقاش بين أطراف وطنية بهذا المستوى، وحول قضايا بمثل هذه الأهمية وبمثل هذه التفاصيل مع موظف، يبدو أنه شخصياً محترم وذكي، لكن من المخجل أن نعيطه الحق بالإجابة والتوجيه و"الفتوى". لقد كان بمقدوره أن يتقدم بتقريره بالصورة التي يريدها مهما تكن قاسية، ولتكن مثلاً على شكل أوامر أو حتى "فرمانات"، بل كان بمقدوره أن يجبرنا على الاستماع اليه صامتين مكتوفي الأذرع... ذلك أفضل من أن يجبرنا على خوض نقاش معه بهذه الطريقة المهينة، وأرجوكم لا تظنوا أن هناك تنمية في غياب الكرامة. ( العرب اليوم )