تاريخ عائلتي اليهودية
كان وليد يلعب كرة القدم بفريق شعبي في مدينة الصدر شمال بغداد، وكان الملعب يسمى(الإشتراكية) يقع خلف محطة وقود الداخل جوار المقبرة الكبيرة التي كانت نقلت إليها رفات الموتى للتو من مقبرة لليهود وسط بغداد تقرر إزالتها تحسبا للتوسعة الكبيرة التي شهدتها العاصمة مطلع السبعينات. لم يكن وليد مهتما بالجنازة، لكنه نظر الى وجوه المشيعين الحزينة، وخطواتهم البطيئة، والى التابوت الذي يرقد فيه ميت. أنثى أو ذكر ليس مهما، لكنه ميت على أية حال إقترب وليد، وكان رجل دين يهودي يقف صامتا، قال له، الموت نهاية كل بشر ياولدي. عاد الطفل الصغير الى اللعب بحماس كبير بينما كان الميت يوارى الثرى في المقبرة الحديثة التي بدأت للتو تستقبل رفات الموتى الذين تقرر نقلهم إليها. وفي تلك الأثناء كان المواطنون اليهود الذين هاجروا قسرا مايزالوا يبكون على وطنهم، وعلى فراق إخوانهم المسلمين من السنة والشيعة والمسيحيين الذين يشاطرونهم العذاب ويعانون كثيرا وهم في ديار غربة بعد أن مارست معهم السلطات العراقية حماقات لاتوصف وقامت العصابات الصهيونية بتفجير محالهم وبيوتهم وإغتيال بعض منهم ليوهموهم إن الذين يستهدفونهم هم المسلمون وعليهم الرحيل.
كبر وليد، وصار صحفيا ومازال يتذكر حكايات جدته عن أحد زعماء اليهود العراقيين (ديفيد فيليب) لكنه يتحدث بحنين، ويرى أن مؤامرة كبرى تمارس مع الدولة العراقية لتفريغها من أبنائها، كما حصل بعد إعلان الدولة اليهودية في فلسطين، وجمع المؤمنين بالديانة اليهودية من أصقاع الأرض ليكونوا شعب دولة إسرائيل على كامل التراب الفلسطيني (باراك أوباما زار في جولته الشرق أوسطية الأخيرة متحف البحر الميت في القدس، وإطلع على ما أوهمه مدير المتحف إنه من آثار بني إسرائيل، ومايشكل حلقات وجودهم وأحقيتهم بأرض الميعاد المغتصبة من العرب) واليوم يهاجر المسيحيون الى بلاد اخرى بحثا عن حياة جديدة لايتعرضون فيها للتهديد وهم مهددون في العراق ومصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا ولبنان.
أمنة عبد العزيز أديبة عراقية لم تتخل عن يهوديتها برغم تعاقب الأجيال وزوال أسباب البقاء، ولم تنس حي الشعب في شمال بغداد الذي غادرته الى حي آخر، وتحلم بالسيدة أم حامد اليهودية التي توفيت نهاية سبعينات القرن الماضي، وكذلك أبناءها، ومنهم (حامد) الذي تزوج ثم لم يعد له من ذكر، وفي ايحاءات الكلمات إشارات لوجود يهودي بيننا لانشعر به لكنه موجود على أية حال فاليهود في كل مكان بآثارهم في (بابل والنجف وبغداد والموصل والبصرة وكركوك وصلاح الدين وديالى) وهاهي مقبرتهم التاريخية في مدينة الصدر شاهد على إلتصاقهم بالعراق كبقية الطوائف وهم يلعنون المقادير التي مجدت لدولة إقتلعتهم من الجذور وأبعدتهم عن الوطن.
امنة عبد العزيز إختارت نيسان وحين يقدح (المشمش) في البساتين لتتحدث عن عذرية حبها لوطنها ومن فيه من بشر ومكونات أنتزعت منه ونفيت قسرا الى المجهول الذي يسمونه وطنا.. لكني أعذرها طويلا فهي مازالت تعيش على ذكريات مفعمة بالألم وحكايات (أم حامد) التي يتردد صداها في الأحياء القديمة من بغداد، قالوا لآمنة، إن (أم حامد) دفنت في مقبرة (محمد سكران) شمال بغداد.
نيسان جميل حتى في أكاذبيه، وآمنة ليست يهودية بل هي من عشيرة الخزاعل المعروفة، وتعتز بدينها، وكونها مسلمة متعصبة للإعتدال، لكنها تحن لعراق يحوي كل البشر.