الحكومة والبرلمان وجهاً لوجه!

بعد أن حسم الملك “الجدل” حول توزير النواب باتجاه التأجيل حتى الانتهاء من “تصحيح” مناخات المجلس الداخلية، أصبح الباب أمام رئيس الوزراء مفتوحا للبحث عن “معادلات” جديدة من اجل ترسيم العلاقة بين الحكومة والمجلس.
ربما تكون “محطة” التعديل الوزاري المتوقع مناسبة لتجاوز اشكالية وتداعيات “توزير النواب” نحو التوافق على تنسيب الكتل البرلمانية والنواب المستقلين لعدد محدد من الاسماء المرشحة للدخول في التعديل، وبذلك يضمن الدكتور النسور الحفاظ على تماسك الاغلبية المتواضعة التي منحته الثقة، ويتجنب - ما أمكن - تبلور تحالفات نيابية قد تصبح جاهزة للانقضاض على الحكومة في اية لحظة.
سبق للدكتور النسور ان طرح ورقة “توزير” مرشحين من قبل الكتل البرلمانية خارج دائرة “النواب”، ومن المتوقع ان يعود بعد ان تحلل من “حرج” مشاركة النواب في الحكومة اليها، كما ان من المتوقع ان تجد هذه “الورقة” قبولاً لدى بعض الكتل لا سيما التي اعطته اصوات اغلبية اعضائها.
لدى الرئيس - ايضا - اوراق اخرى، بعضها سياسي مثل اخراج ملفات الفساد كما وعد، وبعضها “استرضائي” مثل الاستجابة لمطالب نيابية تتعلق “بالتوظيف” والخدمات وغيرها، وبعضها الآخر له علاقة “بالمناخات” الاقليمية المضطربة التي يمكن “توظيفها” لتغطية ما قد يحدث من اشتباكات بين الحكومة والنواب، على اعتبار ان “التوافق” على “المصالح العليا” يتقدم بالضرورة على اية محاولة للصدام والاشتباك.
اذا أضفنا لذلك بأن الرأي العام - في الغالب - ضد توزير النواب، لاعتبارات مختلفة ابرزها “الصورة” النمطية التي تحتفظ بها الذاكرة “للنائب” الذي “يقاتل” من أجل مصالحه الشخصية، “وللمجلس” المشغول بقضايا لا تهم “الناس” فان لدى د. النسور ورقة اضافية يمكن ان يستفيد بها لاقناع “الشارع” بأن “حكومة بلا نواب” افضل كثيراً للحفاظ على استقلالية المجلس وصورته الجديدة، وافضل ايضا لترسيخ تجربة “حكومة” مقيدة بسلطة برلمانية “متمردة”، لا يشفع لبقائها واستمرارها سوى “انجازها”، فاذا ما اخفقت اصبح من السهل اسقاطها برلمانياً.
رغم كل هذه الاوراق والاعتبارات فان “ابتلاع” النواب لتوجهات عدم “توزيرهم” (وهي بالمناسبة ليست القضية الاهم التي تحدد علاقتهم مع الحكومة، نظرا لوجود اكثرية نيابية ضد “التوزير” أصلا)، لا يعني - بالضرورة - ان مهمة الرئيس ستكون سهلة في مواجهة البرلمان، فمن المتوقع ان تشهد العلاقة بين الطرفين “سخونة” غير مسبوقة، لا سيما في مفاصل ذات شأن داخلي مثل قضية تحرير اسعار الكهرباء والموازنة وملفات الفساد..الخ، واخرى ذات شأن اقليمي مثل الملف السوري والملف الفلسطيني لطرد السفير مثلا، وسيكون امام “النواب” فرصة لمحاولات - ربما تكون جادة - للانقضاض وتسديد الضربات، ومن المفترض ان يغتنم الدكتور عبد الله النسور “التعديل” المتوقع لتشكيل “سياج” سياسي من وزراء لديهم القدرة على التعامل مع ذلك.
يبقى من المهم التذكير بأن الخروج من ورطة “توزير النواب” لم يرفع الحرج عن الرئيس فقط، وانما عن “المجلس” ايضا، فقد اصبح النواب - بما لديهم من صلاحيات - أقدر - اذا ما أرادوا ذلك - على مواجهة الحكومة، وعلى استعادة ثقة الشارع بهم، وعلى التأسيس لحالة نيابية يمكن اذا ما استثمرت “وزن الشارع” المطالب بمزيد من الاصلاح ان تعزز “تحولاً” جذرياً في المعادلات السياسية الراهنة. ( الدستور )