لكي لا تكون «وادي عربة» حصان طروادة!

لا احد في “بلدنا” يستطيع ان يدافع عن “وادي عربة” او ان يتردد في المطالبة بطرد السفير الاسرائيلي من عمان، لكن هل هذا هو الوقت المناسب لذلك؟ وهل تستطيع الدولة ان تدفع ثمن ذلك؟ وهل انتهينا –فعلا- من انجاز “اولوياتنا” الداخلية وهيأنا مجتمعنا للتعامل مع هكذا استحقاق لنقدم على هذه “الخطوة” التي يتمناها كل اردني؟ وكل عربي ومسلم ايضا.
تحتاج هذه القضية الى مزيد من النقاش، لا فيما يتعلق بها كمبدأ او كفكرة تحظى باجماع اغلبية الاردنيين، وانما كخيار سياسي في هذا الوقت تحديدا، وللتذكير –فقط- فان مصر التي ترتبط مثلنا باتفاقية مع اسرائيل، لم يطرح فيها “في ظل نظام اسلامي معروف برفضه للمعاهدة” اي نقاش جاد حول المسألة، على العكس تماما فقد التزم الرئيس المصري –علنا- باحترام الاتفاقيات الدولية ومنها “كامب ديفيد” وحتى حين اعتدت تل ابيب على افراد من الجيش المصري وسقط منهم عدد من “الشهداء” مؤخرا في سيناء فان “الغاء” المعاهدة لم يكن خيارا مطروحا آنذاك.
من حق السادة النواب، وكل مواطن اردني، ان يطالب “بطرد السفير الاسرائيلي” ردا على ما تعرض له الاقصى المبارك، لكن هذه “خيارات” متاحة للتعبير والمطالبة، في مقابل “اضطرارات” تحكم المسؤول عند اتخاذ اي قرار استراتيجي كهذا، واذا كان مطلوبا من الحكومة احترام خيارات الناس فان تقدير “اضطرارات” الرسمي في ضوء الواقع السياسي المتاح للحركة مطلوب وضروري ايضا.
مرّ على توقيع الاتفاقية نحو عشرين عاما، ولم نسمع اي مجلس نيابي “لا سيما مجلس 98 الذي صوّت على الاتفاقية وهو افضل المجالس” اية دعوة لالغاء الاتفاقية او طرد السفير، او طرح الثقة بالحكومات على هذا الاساس رغم ان الانتهاكات الاسرائيلية على القدس وفلسطين طولا وعرضا لم تتوقف، فلماذا اذن اختيار مجلس النواب الحالي هذه “الحادثة” لطرح الثقة بحكومة الدكتور النسور؟.
هذا –بالطبع- هو موضوع النقاش الذي يفترض ان نتوحه اليه لتحرير المسألة من اشتباكاتها، ولكي لا نتهم بأننا ندافع عن “بقاء” السفير بين ظهرانينا –معاذ الله-، ولكي نفهم ذلك يفترض ان ننتبه الى سياقات ما حدث، فقد ذكر بان احد الوزراء “همس” داخل مجلس النواب “باستثمار” فرصة الاعتداءات الاسرائيلية سياسيا، وقد حصل وأجمع النواب على مطالبة الحكومة بطرد السفير، وكان يمكن “تداول” الامر سياسيا والخروج بحل مرضٍ للطرفين يحفظ “هيبة” المجلس ويتناسب مع “امكانيات” الحكومة واضطرارات الدولة لكن بعد حسم عدم “توزير” النواب، وتراكم حدة “الغضب” النيابي من الحكومة “لاسباب مختلفة” وجد نواب محسوبون على خط الخصومة للحكومة ان فرصة الانقضاض على الحكومة جاءت، وان عنوان “طرد السفير” الذي يتناغم مع رغبة الشارع يبدو مناسبا جدا، كما ان احراج رئيس الحكومة من خلال وضعه امام خيارين صعبين بمثابة “ضربة معلم”.
اذن، طرد السفير كان مجرد “عنوان” للصدام والمواجهة، ومناسبة لتصفية الحسابات، لكن في غياب “العقلانية” السياسية اصبح “خطاب” ما فوق الشجرة “مربكا” تماما للجميع، ولنا ان نسأل هنا: ماذا لو لم تستجب الحكومة لمطلب النواب؟ هل ستتحول مذكرة حجب الثقة الى حقيقة؟ وبالعكس ماذا لو استجابت الحكومة؟ هل سيتوقف النواب عن “اقتناص” فرص قادمة لوضع الحكومة في الزاوية الحرجة؟.
على الطرف الاخر ثمة اسئلة اكثر اهمية منها ما يتعلق “باستحقاقات” اتخاذ مثل هذا القرار على الاردن دوليا، ثم عن مسألة “توقيته” في ظل ظروف المنطقة المشتعلة؟ ثم تداعياته على صورة مجلس “النواب” في حال تنازل النواب عن مطلبهم، ثم ما عكسه من “تعبئة” لدى الشارع وفي اي “قنوات” يمكن تصريفها اذا لم ينفّذ؟.
ليس لدي –بالطبع- اجابات واضحة على هذه الاسئلة، لكن ما اعرفه ان الطريق الى “احراج” الرئيس او طرح “الثقة” بالحكومة كان يمكن ان يمرّ من بوابات اخرى، وعلى اساس حسابات مقنعة، وتبعا لأولويات داخلية متاحة وضرورية، اما بوابة وادي عربة فليست اكثر من حصان طروادة.
كان يمكن –ايضا- ان يتحرك بعض النواب لتقديم مذكرة طلب “لتعديل” معاهدة وادي عربة، وان يحتشد الـ 86 نائبا الموقعون على مذكرة حجب الثقة للتصويت على ذلك، وهو ردّ اقسى من الاكتفاء بطرد السفير.
اخشى ما اخشاه هو ان يكتشف النواب بانهم “اخطأوا” في حسابات اللحظة السياسية، وبأنهم “تقمصوا” وخلطوا بين موقفهم من الحكومة وبين واجبهم في احترام عقل الدولة وذكاء المواطن، وعندئذ يدفعون –وندفع ايضا- ثمن تراجعهم وخطأ حساباتهم... وهذا ما لا نريده وما يفترض ان نبحث عن افضل مخرج منه.
باختصار، لو كنت على يقين بان “طرد السفير” من عمان ضمن امكانياتنا التي نعرفها ما سمحت لنفسي بكتابة هذا المقال، لكن استأذن من يشاركني هذا الرأي من القراء ان ارفع مذكرة لاخواننا النواب بمطلب واحد وهو: ان يحترموا عقولنا فقط. ( الدستور )